العملياتُ العسكريةُ اليمنيةُ هي الاستجابةُ الحقيقيةُ والترجمةُ الفعليةُ للتوجيهاتِ الإلهيةِ في البراءةِ من أعداءِ الله.
بقلم: طوفان الجنيد
ماذا تعني البراءةُ من أعداءِ الله؟
البراءةُ من أعداءِ الله مبدأٌ إسلاميٌّ، وموقفٌ جهاديٌّ، ومسؤوليةٌ دينيةٌ، وعملٌ صالحٌ يُرضي اللهَ تعالى. وهي مما أرشد اللهُ إليه في القرآنِ الكريمِ في مواجهةِ أعدائِه.
قال تعالى:
﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ (التوبة).
ويُعدُّ إعلانُ البراءةِ من أعداءِ اللهِ اقتداءً بالأنبياءِ والمرسلينَ، ومنهم خليلُ اللهِ إبراهيمُ (عليه السلامُ) والمؤمنونَ معه:
﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾.
من هنا، فإن الجهرَ بالبراءةِ من أعداءِ اللهِ وإعلانَ الموقفِ المناهضِ والمعادي لهم هو الخيارُ الصحيحُ الذي ينسجمُ مع القرآنِ الكريمِ، ويمثّلُ استجابةً حقيقيةً وصادقةً لتوجيهاتِ اللهِ سبحانهُ وتعالى، ويتطابقُ مع مقتضياتِ مبادئِ الإسلامِ وأخلاقهِ وقِيَمِه، واقتداءً حقيقيًّا برسولِ اللهِ ﷺ وآله الأطهار.
ولإعلانِ البراءةِ من الأعداءِ أهميّتُهُ الإيمانيةُ في اتخاذِ موقفٍ مغايرٍ للظالمينَ والصهاينةِ المجرمينَ، حتى لا نكونَ شركاءَ لهم في جرائمِهم التي لا تنتهي عند حدٍّ، كما هو حاصلٌ اليومَ في غزَّةَ بصمتِنا وتخاذلِنا.
شعارُ البراءةِ من أعداءِ الله
لقد أطلقَ الشهيدُ القائدُ حسينُ بدرُ الدينِ الحوثي (سلامُ اللهِ عليه) شعارَ الصرخةِ في وجوهِ المستكبرينَ:
(اللهُ أكبر، الموتُ لأمريكا، الموتُ لإسرائيل، اللعنةُ على اليهودِ، النصرُ للإسلام)
كإعلانِ براءةٍ من هؤلاءِ الأعداءِ، واتخاذِ موقفٍ منهم، واعتبارِهم أعداءً، وسنتعاملُ معهم كأعداء؛ إيماناً منّا بأنَّ خيارَ موقفِ البراءةِ والمباينةِ لأعداءِ الأمَّةِ، والسعيَ للتصدّي لمؤامراتِهم التدميريةِ والمضرَّةِ بالأمَّةِ، هو انسجامٌ مع القرآنِ الكريمِ، وثباتٌ على هذا الدينِ ومبادئِه وقِيَمِه وأخلاقِه.
ويحفظُ هذا الموقفُ للأمَّةِ حريتَها وكرامتَها، وأن تكونَ أمةً حرَّةً مستقلَّةً متحرّرةً من التبعيةِ لأعدائِها، وبعيدةً عن التولي والارتهانِ والعمالةِ والخيانة، ويحفظُ لها مصالحَها الحقيقيةَ، ويدفعُ عنها الإذلالَ والقهرَ والاستعبادَ والاسترخاصَ والاستغلالَ، ويحفظُ لها هويّتَها وثروتَها وأرضَها وعرضَها وشرفَها وكرامتَها.
في إحدى محاضراتِ الشهيدِ القائدِ (رضوانُ اللهِ عليه)، قال:
“نحن نقول للناس: يجبُ علينا، يجبُ علينا أن يكونَ لنا مواقفُ، أولاً: لنفكَّ عن أنفسِنا الذلَّةَ والسخطَ الإلهيَّ. هناك ذلَّةٌ إلهيَّة، هناك ذلَّةٌ إلهيَّة -فيما أعتقدُ- قد ضُربت علينا جميعاً: نحن وعلماؤنا، نحن ودولتُنا، الكلُّ قد ضُربت عليهم ذلَّةٌ. يجبُ أن يكونَ لنا موقفٌ في مواجهةِ هؤلاءِ حتى نُرضيَ اللهَ سبحانهُ وتعالى عنّا. وأضعفُ موقفٍ وأقلُّ موقفٍ هو أن تردِّدَ هذا الشعارَ بعدَ صلاةِ الجمعةِ، حتى يعرفَ الأمريكيُّونَ أنَّ هناك من يكرهُهم، وهناك من يسخطُ عليهم. وحتى لا تكونَ لا شيء في الحياةِ، حتى لا تكونَ ميتَ الأحياءِ؛ يتحرّكُ اليهودُ والنصارى فيملؤونَ بحارَ الدنيا وبرَّها، وأنتَ المسلمُ لا ترفعُ حتى ولا كلمةً ضدَّهم. وأنتَ من كان يجبُ أن تكونَ أنتَ من تحتلُّ تلك المواقعَ التي هم فيها.”
وبما أنَّ الموقفَ من العدوِّ هو هدفٌ رئيسيٌّ للصرخةِ، فإنَّ هناك أهدافاً أخرى، من أهمِّها ما يلي:
١- تحطيمُ جدارِ الصمتِ الذي فرضَه العدوُّ الأمريكيُّ والصهيونيُّ على أمَّةِ الإسلامِ، والذلَّةِ والهوانِ التي هي فيه منذ عقودٍ من الزمن.
فاتخذَ اليمنيُّونَ من هذه الصرخةِ وهذا الشعارِ موقفاً إيمانيًّا، وسلاحاً فتاكاً في صدورِ أعداءِ الأمَّةِ، واستنكاراً لكلِّ ما يقومونَ به من جرائمَ وهيمنةٍ وإذلالٍ للحكوماتِ والشعوبِ العربيَّةِ.
طوفانُ الأقصى ومرحلةُ التجسيدِ الحقيقيِّ للبراءةِ من الأعداءِ المجرمين
فنهضتِ القيادةُ اليمنيَّةُ، واستنفرت كلَّ قواها، وحشدتْ معها كلَّ أحرارِ اليمنِ، وقالت: “لا يمكنُ أن نقعدَ ونتفرّجَ مع المتفرّجينَ على ما يحصلُ لأبناءِ غزَّةَ من إبادةٍ وإجرامٍ.”
وأطلق سماحةُ السيّدِ القائدُ مقولتَهُ الشهيرةَ وخطابَهُ لأبناءِ غزَّةَ قائلاً:
“لستم وحدَكم، فنحنُ معكم بكلِّ ما نستطيعُ، واللهُ معكم، والنصرُ حليفُكم، والخزيُ والفشلُ لعدوِّكم.”
ومضى يعدُّ ويستعدُّ ويساندُ ويساعدُ ويشاركُ في المعركةِ مشاركةً فعليَّةً.
وقامت قواتُنا المسلّحةُ بواجبِها الدينيِّ والأخلاقيِّ والإنسانيِّ؛ ففرضت حصاراً بحريًّا على الكيانِ، ومنعتْ جميعَ السفنِ المتجهةِ إليه، وأغلقتْ ميناء أم الرشراش نهائيًّا، وقصفتْ عمقَ الكيانِ بالمسيراتِ والصواريخِ المجنّحةِ.
وتصدَّتْ للعدوِّ المجرمِ، والداعمِ له: الغدُّو الأمريكيُّ، عندما حشد حشدَهُ وأتى بأساطيلِه وحاملاتِه إلى البحرِ لحمايةِ “إسرائيل”، وفكِّ الحصارِ عن ملاحتهِ.
لكنه تفاجأ بما لم يكن له بالحسبانِ، وذاق مرارةَ البأسِ والهوانِ، وفشلَ فشلاً ذريعاً جعله يطأطئُ رأسَه ويستسلمُ صاغراً، ويطلبُ التوقفَ عن استهدافِه في موقفٍ مخزٍ وذليلٍ لم يشهدْ له العالمُ نظيراً.
التصعيدُ مقابلَ التصعيد
لقد صعَّدت القواتُ المسلَّحةُ اليمنيَّةُ من عملياتِها العسكريَّةِ، وأعلنت أنَّ يافا أصبحتْ غيرَ آمنةٍ، مستهدفةً يافا وكلَّ مستوطناتِ الكيانِ، ممّا شكّلَ رعباً حقيقيًّا للعدوِّ، دفعَه لأنْ يأتيَ ويستهدفَ المنشآتِ المدنيَّةَ في اليمنِ.
وظنَّ أنَّه بإمكانِه أن يُثني اليمنَ عن موقفِها، ولكنه فشلَ في ذلك.
ومن التصعيدِ البحريِّ، انتقلت القواتُ المسلّحةُ اليمنيّةُ إلى التصعيدِ الجويِّ، وفرضتْ حظراً جوياً على أهمِّ مطاراتِ العدوِّ واستهدافِه المتكرّرِ، وفرضتْ حظراً ملاحياً على جميعِ شركاتِ الطيرانِ من وإلى المطارِ.
وما يزالُ هذا الحظرُ ساريَ المفعولِ، والاستهدافُ متواصلاً، والمواجهةُ مستمرّةً حتى يتوقّفَ العدوُّ عن إجرامِه، ويوقفَ حربَه، ويرفعَ حصارَه عن غزَّةَ وأهلِها المظلومين.
في ملحمةٍ بطوليّةٍ وتاريخيّةٍ، مجسّدةٍ ومترجَمةٍ لكلِّ معاني الولاءِ للمؤمنينَ، والبراءةِ من أعدائِهم، ومطوّقةٍ الحُجَّةَ في أعناقِ كلِّ المتخاذلينَ والمطبّعينَ.
وما النصرُ إلّا من عندِ اللهِ العزيزِ الحميدِ.