التزييف الثقافي والمغالطات الإعلامية، العباءة العربية اُنموذجاً
بقلم _ د. محمد العبادي
في تغريدة مثيرة للنائب السابق فائق الشيخ ذكر فيها: أن كل من تلبس العباءة الزينبية تبحث عن المتعة!!!، وفي نفس الاتجاه الاستفزازي تسمية قناة الشرقية ” العباءة العراقية” بإسم ” العباءة الإيرانية”!!! لا أدري هل هي الصدفة قد جمعت هذا الزبد الجفاء في توقيت مشكوك ؟! لكن أدري أن الكلام والمواقف المتشابهة عندما تتكرر لاتسمى صدفة .
شيء رائع وجميل أن يمتلك الإنسان ثقافة عامة عن أعراف بلده، لكن من المستهجن أن يتحدث ذلك الشخص بغير علم :(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ..).
لسنا ضد الاجتهاد في الفهم، لكن نرجو أن تُبنى الآراء وتعرض التقارير على دراية تاريخية وثقافية، وليس على الإنفعال والتسرع والانطباعات، فالهوية لا تفكك بعبارة أو تغريدة، ولا يعاد تشكيلها عبر شاشة؛ بل هي أعمق من ذلك بكثير.
إنّ كتب اللغة والفقه والتاريخ مليئة بإستعمال لفظ ( العباءة) والتي تعني: الرداء الواسع يُلبس فوق الثياب مما يدل على أنّها جزء من اللسان العربي الأصيل، وليست مستورد ثقافي . إنّ العباءة أو ( العباية)كلمة عربية، ومعناها في اللغة الفارسية ( شادور أو چادر).
العباءة كانت من لباس العرب، وقد ورد ذكرها في الشعر العربي، وكانت رمزاً للستر والمكانة، وقد ذكر بعض المؤرخين أن بعض الصحابيات كنّ” يتلفعن” أو ” يتدرعن” بالعباءة أو ما يشبهها من ” الملاءة ” و” الجلباب”؛ الأمر الذي يثبت قدمها وعراقتها وامتدادها.
نعم العباءة كانت من لبس العرب؛ بل هي تجل ثقافي لتعاليم الإسلام في اللباس كالجلباب والخمار، وهي التطبيق الشعبي العربي للأوامر الإلهية. ويقصد منه في الفقه الإسلامي ما يستر مواضع الزينة عن الأجنبي.
إنّ مثل هذه التغريدة ـ التي أطل بها علينا فائق الشيخ ـ لا تلغي عرفاً ولا تبطل ثقافة، لكنها تختبر وعي النّاس، وتستفز مشاعرهم وتمس حسهم الجمعي…
من العجيب أن موضة اللباس الفاضح أو الشفاف والممزق ومخالفته للذوق العام لم يلفت انتباه قناة الشرقية ولفت عنايتها لباس الحشمة والحياء فأخذت تهمزه وتلمزه!!!
ولم يلفت انتباه فائق الشيخ ثقافة عرض الأجساد واستخدام المرأة كأداة للإغراء البصري ، لكن لفت نظره لبس المرأة للعباءة الزينبية !!! ومالت به نفسه فغرد بتلك الألفاظ البذيئة.
إنّ التركيز على العباءة بوصفها لباساً غير عربي، وتجاهل الأنماط الدخيلة على ثقافتنا؛ هو تغافل غير موضوعي، بل هو إسقاط ثقافي معكوس.
لسنا ضد الانفتاح أو ضد حرية الإنسان في اختيار ما يلبس، لكن يجب أن نميز بين الأصيل والدخيل، وبين ما يعبر عن هويتنا وما يفرض علينا بوهج الإعلام والموضة . أريد أن أقول أن الحفاظ على لبس العباءة هو موقف من الذات لا نستهدف فيه الآخر الذي له خَياره.
من المؤسف أن يصدر من شخصية سياسية خطاب يحمل هذا المستوى الثقافي الهابط والاشتباه العميق في فهم واقع مجتمعاتنا وتنوعها. إنّ القول بأنّ المرأة التي تمتثل ارتداء العباءة الزينبية إنما تبحث عن المتعة أو تفعل ذلك بدافع الاغراء؛ هو منطق سقيم فيه اسقاط نفسي وتجريد للمرأة من كرامتها واختيارها ووصم لسترها بكلمات منحطة لا تليق بمستوى النقاش العام، وأدعو الدوائر الحقوقية والقضاء العراقي إلى مقاضاة هذا التهريج الثقافي الذي يستهدف الواقع الثقافي والاجتماعي لملايين النساء المحترمات اللواتي اخترن العباءة رمزاً للحياء لا أداة للإغراء.
إنّ هذه التغريدة والتصريحات المثيرة تضرب بعنف أحد أبرز مظاهر الهوية والحياء الاجتماعي، وتؤسس لانقسام وهمي بين مكونات المجتمع والأخطر أنّها قد تُشجع على الإساءة للنساء المحجبات، وتخلق مناخاً من الشك والوصم الأخلاقي المرفوض.
باعتقادي أن اللباس الذي ترتديه المرأة ليس مجرد قطعة قماش؛ بل هو تعبير عن قيم دينية وخيارات شخصية، ومن الحكمة أن تحترم خياراتها وقراراتها في ذلك اللباس الأصيل.