انحدار الإعلام: من منصة للتنوير إلى مصنع للتفاهة
بقلم _ هيئة التحرير
ما نراه اليوم على الشاشات لم يعد إعلاماً، بل استعراضاً مبتذلاً لعقول خاوية وألسنة لا تميز بين المعرفة والتسويق الرخيص. جيش من المقدمين والمقدمات اجتاح الشاشات، بلا مضمون، بلا ثقافة، بلا أي معيار سوى الشكل والقدرة على إثارة الجدل. اختفت الاختبارات والمعايير، وغابت المسؤولية، وصار الشرط الوحيد هو القدرة على جذب الانتباه، ولو على حساب الذوق العام والعقل الجمعي.
الإعلام الذي كان في الماضي سلطة تنوير، صار اليوم مصنعًا للتفاهة. برامج بأكملها تُبنى على تسليع الإنسان، وترويج قيم سامة لا تمت بصلة للوعي أو النضج. إعلاميات، مثل هذه التي نراها اليوم، ومعهن عشرات غيرها، كرّسن برامجهن للترويج لثقافة قبيحة تُعيد إنتاج عقد النقص: هوس بعمليات التجميل، تبييض البشرة، ماركات الاستهلاك، وحياة سطحية قائمة على المظاهر الفارغة بدل القيم.
هذه المنظومة لا تدمّر فقط الذوق العام، بل تخلق جيلاً ممزق الهوية، يتربّى على المقارنات والانبهار بالصورة، ويشعر بالنقص لأن حياته لا تُشبه ما يُعرض عليه من أكاذيب بصرية.
ما تعرّضت له تلك الفتاة ليس خطأ أمّها. بل هو نتيجة حتمية لإعلام فقد ضميره، وبات يُعيد إنتاج نفس الرسائل السامة التي تسحق الذات وتعيد تشكيلها وفق مقاسات زائفة.
نحن أمام سقوط أخلاقي وفكري للإعلام. سقوط يجب أن يُسمّى باسمه، ويُواجَه، لا أن يُبرّر