سبايكر.. لن تُنسى.. ولن نسكت..!
بقلم _ سمير السعد
في مثل هذا اليوم من عام 2014، وقعت واحدة من أبشع الجرائم التي شهدها العراق، حين أقدم تنظيم “داعش” الإرهابي على ارتكاب مجزرة مروّعة بحق أكثر من 1700 شاب أعزل من طلاب القوة الجوية في قاعدة سبايكر بمحافظة صلاح الدين. اقتيد الضحايا بدمٍ بارد إلى مصيرهم المجهول، وجرى إعدامهم على دفعات في مشهد لا يمكن للعقل البشري أن يستوعبه، إلا إذا تجرد من كل إنسانية وشرف. إنها جريمة لا تُغتفر، ستبقى محفورة في ذاكرة الوطن وضمير كل عراقي شريف.
لقد شكّلت سبايكر جرحاً نازفاً في جسد العراق، ليس فقط لما حملته من ألمٍ وخسارة، بل لأنها كشفت الغطاء عن بشاعة الفكر المتطرف، وأظهرت خيانة المتواطئين الذين آووا الإرهاب وسهّلوا له ارتكاب جرائمه، سواء بالصمت أو التبرير أو التواطؤ الخفي. ومنذ ذلك الحين، ظلّ العراقيون يستذكرون هذه المجزرة لا للبكاء على الماضي، بل لحمل أمانة الشهداء، والمطالبة بالقصاص من الجناة الذين ما زال بعضهم هارباً أو محمياً بصمت السياسة ونذالة بعض المنتفعين.
وما يزيد الألم مرارة، أن هناك اليوم من يخرج من بين الظلال، ليعيد تلميع ذلك الفكر المظلم، ويمجّد مرحلة سوداء بُنيت على الدم والخراب. لكننا نؤكد أن العراق، من زاخو إلى الفاو، لن يسمح بعودة الإرهاب، ولا بمشاريع الطائفية التي مزّقت النسيج الوطني. فالشعب العراقي اليوم أكثر وعياً من أن تنطلي عليه خطابات الخداع، والذاكرة الجمعية لا تنسى من خان الوطن، ولا من لوّث يدَه بدم الأبرياء.
وفي هذا السياق، تبرز اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب بدور وطني محوري، إذ تقف بالمرصاد لكل الحركات المشبوهة ومحاولات اختراق الوعي المجتمعي. لقد عملت اللجنة، بكوادرها المتخصصة، على إرساء أسس السلام وتعزيز قيم التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد، من خلال برامج نوعية ومتنوعة تستهدف الشرائح الأكثر عرضة للتأثر بالفكر المتطرف. وسعت اللجنة إلى بناء نسيج اجتماعي متماسك يؤمن بالسلم الأهلي، ويواجه الكراهية بالحوار، والتطرّف بالوعي، والانقسام بالتقارب.
وإلى جانب جهودها التوعوية، تقوم اللجنة برصد الظواهر الفكرية المشبوهة، وكشف مخططات التضليل والتجنيد الإلكتروني، والتنسيق مع المؤسسات الأمنية والمدنية لوضع استراتيجيات استباقية لحماية المجتمع من الانزلاق نحو العنف والتكفير. وهذا الجهد المؤسسي يعد استكمالاً لمشروع العدالة الانتقالية التي ينشدها ضحايا سبايكر وكل من ذاق مرارة الإرهاب.
إن خطر الفكر المتطرف لا يكمن فقط في من حمل السلاح، بل في من زرع الكراهية في النفوس، وفي من سوّق للقتل تحت عباءة الطائفة أو القومية أو الدين، وفي من يحاول اليوم أن يعيد إنتاج نفسه عبر منصات الإعلام والسياسة والتضليل. لذا فإن المعركة لم تنتهِ، وهي ليست فقط معركة سلاح، بل معركة وعي وثقافة وجرأة في تسمية الأشياء بأسمائها.
يجب أن تتحمّل الدولة بكل مؤسساتها مسؤولية كشف كل من تورط أو تستر أو سهّل أو موّل تلك الجرائم، لا مجاملة، ولا تسوية على حساب دم الشهداء. فالمصالحة الحقيقية لا تُبنى على العفو عن القتلة، بل على العدالة والمحاسبة، وعلى إحلال الحق مكان الخوف، والصوت الوطني مكان الصمت المريب.
سبايكر ليست مجرد مأساة، إنها قضية وطنية وإنسانية وأخلاقية، تضعنا جميعاً أمام امتحان الضمير، فإما أن نكون أوفياء لدماء الأبرياء، أو نسمح لتلك الجرائم بأن تتكرّر بثوب جديد. والخيار واضح ، لن ننسى، ولن نغفر، ولن نسكت. فالعراق باقٍ، والإرهاب إلى زوال