قراءة استراتيجية لعملية اختراق الأرشيف النووي الصهيوني.. إعادة تعريف..!
بقلم _مجتبى نيكيان شفتي ـ طهران
قراءة استراتيجية لعملية اختراق الأرشيف النووي الصهيوني..
إعادة تعريف موازين الردع والسيطرة المعلوماتية في معركة الإرادات
في منتصف عام 2024، تمكّنت وحدات الحرب السيبرانية التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية من اختراق خوادم إلكترونية تابعة للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، والاستيلاء على كمٍ هائل من الوثائق الحساسة التي تعود للفترة الممتدة من 2014 حتى 2023. هذه العملية، التي تتقاطع دلاليًا مع ما أعلنت عنه مجموعة “أنونيموس” في مارس من نفس العام، تمثل تطورًا نوعيًا في أدوات المواجهة غير التقليدية بين محور المقاومة والكيان الصهيوني.
❖ لماذا تأخّر الإعلان عن العملية؟
في سياق الحروب السيبرانية والاستخبارية، لا تُستخدم المعلومات الحساسة دومًا فور الحصول عليها، بل تُوظّف ضمن استراتيجيات بعيدة المدى. فالبيع السريع لمثل هذه الوثائق في الأسواق السوداء (الدارك ويب) ليس هدفًا لدولة بحجم إيران، بل الأرجح أن الوثائق تخضع لتحليل استخباري عميق قبل تحويلها إلى أوراق ضغط دبلوماسي ونفسي وعسكري.
أولاً: القيمة الاستراتيجية لهذه الوثائق لإيران
1. تفكيك الهالة النووية الإسرائيلية في المحافل الدولية
هذه الوثائق قد تُظهر أدلة دامغة على وجود برامج نووية سرية لدى الكيان الصهيوني، ما يفتح الباب أمام مساءلات دولية داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كشف تفاصيل منشآت مثل “ديمونا” أو مراكز الأبحاث البيولوجية يمكن أن يكسر احتكار إسرائيل للمظلّة الدولية غير الرسمية التي تحميها من الرقابة النووية.
2. تعزيز قدرة إيران الدفاعية والهجومية
تحليل بنية البنية التحتية الأمنية والنووية الإسرائيلية يمكن أن يساعد إيران في فهم نقاط ضعف منظومة “القبة الحديدية”، وكذلك طبيعة القيادة والسيطرة في الكيان.
هذه المعطيات قد تُستخدم لتحسين دقة الصواريخ، أو لتخطيط عمليات استخبارية تستهدف نقاطًا حرجة.
3. ضرب الثقة الداخلية في النظام الأمني الإسرائيلي
تسريب وثائق تُظهر تعاون بعض المواطنين الإسرائيليين مع إيران (كما في حالة “مزراحي” و”آتياس”) يُضاعف منسوب انعدام الثقة بين الشعب الإسرائيلي وأجهزته الأمنية.
الفشل الأمني لمؤسستي “الشاباك” و”الموساد” لن يمر دون زلزال داخل المنظومة الصهيونية.
4. الحرب النفسية والإعلامية: سلاح التأثير الهادئ
النشر التدريجي للوثائق عبر الإعلام يُحدث زعزعة في الوعي الجمعي داخل إسرائيل، ويُفرغ استراتيجياتها الوقائية من محتواها.
على غرار “وعد صادق”، فإن تسمية العمليات بذكاء وسردها إعلاميًا يُضفي على إيران صورة التفوق الاستخباري المتنامي.
هل تمهّد هذه الوثائق لتحوّل في السياسة النووية الإيرانية؟
من الملفت أن هذه العملية تزامنت مع زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى القاهرة، حيث تم تسريب نية إيران إدراج مطلب “شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية” في ردّها على المقترح الأمريكي بشأن الاتفاق النووي.
هذا التوقيت لا يبدو بريئًا:
فمصر، التي دعت سابقًا لانضمام إسرائيل إلى معاهدة NPT، أبدت عبر وزير خارجيتها موقفًا داعمًا لهذا الاتجاه.
ما يعني أن إيران ربما تستخدم هذه الوثائق كرافعة دبلوماسية لتحويل الأنظار من برنامجها إلى البرنامج النووي الإسرائيلي.
المكاسب الإيرانية حتى الآن
تفكيك صورة “إسرائيل التي لا تُخترق”: السيطرة على وثائق حساسة من داخل منشآت أمنية يُشكّل صفعة مدوّية لـ”الموساد” وأجهزته.
تعزيز صورة القدرات الاستخبارية الإيرانية: العملية تُظهر احترافية في الاختراق، التحليل، وتأمين نقل البيانات.
توظيف ثغرات الخصم الداخلية: الاستفادة من التصدعات الاجتماعية والاقتصادية داخل إسرائيل (مثل ملف ديون القمار) لاجتذاب عناصر بشرية للتعاون الاستخباري.
هل يمكن لهذه الوثائق أن تغيّر موازين الحرب؟
في المدى القريب: هذه الوثائق ليست بحد ذاتها عاملاً حاسمًا في ميادين القتال. لكنها:
ترفع من كلفة استمرار الحرب على إسرائيل نفسيًا وإعلاميًا.
تُرعب المؤسسة الإسرائيلية من اختراقات أعمق قادمة، مما يُعزز الردع المعنوي لصالح إيران.
في المدى البعيد:
إن تمكّنت إيران من استثمار هذه المعلومات في تطوير صواريخها، أو في خلق انقسام بين إسرائيل وبعض حلفائها، فسيكون التأثير استراتيجيًا.
كشف البرنامج النووي الإسرائيلي قد يؤدي إلى مطالبة دولية بتطبيق معايير الوكالة الذرية، وربما فرض عقوبات لاحقة، كما حصل مع إيران سابقًا.
الخلاصة الاستراتيجية
إنّ الوثائق التي حصلت عليها إيران تمثّل سلاحًا معلوماتيًا ثقيلًا يُمكن توظيفه في عدّة جبهات:
تقوية موقف طهران التفاوضي في الملفات الإقليمية والدولية.
فضح هشاشة المنظومة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية.
تشكيل حالة ردع نفسي متصاعد ضد الكيان الصهيوني.
لكن التغيير الحقيقي في المعادلة يحتاج إلى تكامل ثلاثة عناصر:
المعلومة + القدرة الصاروخية + جبهة المقاومة الموحّدة
فبغياب أحدها، لا يتحقق الانتصار الكامل، لكن حضورها معًا قد يُرغِم العدو على التراجع أو الانهيار.