افتى فاستجبنا فانتصرنا

    بقلم _ قاسم الغراوي 

رئيس مركز انكيدو للدراسات 

في الثالث عشر من حزيران عام ٢٠١٤ شهد العراق لحظة فاصلة في تاريخه المعاصر، حين بادر سماحة المرجع الديني الأعلى الإمام السيّد علي الحسينيّ السيستانيّ (دام ظلّه) بإصدار فتوى الجهاد الكفائي، التي كانت بمثابة صرخة استنهاضٍ لكلّ ذي روحٍ قادرة على الدفاع عن الأرض والعرض والإنسان. ومنذ ذلك اليوم، استفاقت النفوس وتوالت البطولات، فانتشد أبناء الشعب العراقيّ من كلّ عرقٍ ومذهبٍ ووطنيةٍ واحدة: «افتي فاستجبنا فانتصرنا»

 

عندما اجتاح تنظيم «داعش» محافظة نينوى ومحافظات أخرى في شمال وغرب العراق، فرّ مئات آلاف المواطنين هاربين من بطش التنظيم، وانهارت الوحدات الأمنية أمام قوة التنظيم وعنفه ، وافعاله الشنيعة واستهتاره بالقيم واغتصابه النساء وتدميره البنى المجتمعية وقتله النفس التي حرم الله . وفي ظلّ هذه الأزمة، لم يكن بوسع الدولة الرسمية وحدها مواجهته، لا من حيث الإمكانات الميدانية ولا المعنوية.

 

لهذا أطلق الإمام السيستاني (دام ظله) فتوى الجهاد الكفائي يوم 13 يونيو 2014، طالباً فيها من كلّ قادرٍ على حمل السلاح والتطوّع للخروج إلى ساحات القتال، قائلاً:

 

«…إنّ الدفاع عن النفس والعرض والعقيدة كفائيّ وواجب لا يسقط بالتكليف المجتمعيّ ما دامت هناك أموالٌ وأفرادٌ يستطيعون أداء هذا الواجب».

 

بهذه الكلمات البسيطة البليغة، شرع الناس في التجاوب دون تردّد، مدفوعين بحسّ وطنيّ دينيّ يجمع بين قيم المواطنة والانتماء الدينيّ الراسخ.

 

ونتيجة مسارات التفاعل مع الفتوى كان :تأسيس الحشد الشعبي وتحوّل عدد كبير من المتطوّعين إلى تشكيلات الحشد الشعبيّ التي استُعيدت شرعيتها الوطنية في الفتوى الكفائية، فامتزجت فيها الروح الدينية بروح المواطنة. وكذلك مشاركة القوات الأمنية .

اما حماة الديار من الجيش والشرطة أحكموا التنسيق مع متطوّعي الحشدالشعبي من المتطوعين ، ما دفع عجلة التخطيط والعمليات الطارئة بتحرّر مناطق واسعة. الدعم اللوجستيّ والتموين الشعبيّ كذلك انخرطت الأُسَرُ والمواكب الحسينية لتقديم الدعم والاسناد وتوفير المؤن وفتح المستشفيات الميدانية، ما عزّز صمود المقاتلين.

 

ان من أهمّ الإنجازات والمكتسبات هي استرجاع المساحات المفقودة حيث تمكنت القوات المشتركة من تحرير مدن استراتيجية كتكريت والرمادي والفلوجة، وصولاً إلى الموصل في صيف عام ٢٠١٧، مسطّرة واحدةً من أعظم ملحمات التحرير.

كما شهد الشعب العراقي وحدة وطنية غير مسبوقة تجاوز فيها العراقيون خلافاتهم الاتنية والطائفية، والتفّوا حول مشروع وطنيٍّ وحيد: استعادة الدولة واستئصال الإرهاب.

كذلك تثبيت معاني التضحية والبذل

وقدّم مئات الآلاف من ابناء الجنوب والوسط أرواحهم ودماءهم، مجسدين أسمى صور الفداء، فيما أصبح الحشد الشعبيّ رمزاً للوحدة والحماية الوطنية.

 

ان اهم الدروس المستفادة هي

أهمية القيادة الروحي بعد ان أسهمت فتوى المرجعية في تأطير الجهد الوطنيّ ضمن ضوابط شرعية واضحة، مكّنت الشباب من المضيّ نحو القتال بثقةٍ والتزام. والدرس الثاني هو التنسيق بين الشرعي والسياسي كذلك حققت عملية التحرير نجاحاً بفضل التعاون المتوازِن بين القيادة الدينية، والقادة الأمنيين والسياسيين.

ومن الدروس التي يجب اخذها بالحسبان هي ضرورة بناء المؤسسات القوية لذا برزت الحاجة إلى تطوير جيشٍ وطنيٍّ قادر على أداء مهامه، من خلال التسليح والتدريب بدل الاعتماد شبه الكامل على التشكيلات التطوعية.

 

مع حلول ذكرى الفتوى، يقترن الاحتفاء بواجب تذكير الأجيال الجديدة بمعاني التضحية والوحدة، وبضرورة توحيد الصفوف أمام أي تحدٍّ يهدّد أمن الوطن واستقراره. وتأتي هذه الذكرى لتؤكد أنّ النصر إنما يُولد من رحم التضامن بين قوى الشعب ومؤسساته الوطنية والالتفاف حول المرجعية الدينية الرشيدة التي تضع العراق في عيونها .

 

لقد أثبتت فتوى الجهاد الكفائي أنّ القيم الروحية يمكنها أن تتحوّل إلى طاقةٍ هائلة تحرك الجموع في سبيل الوطن. وما دمنا محافظين على هذه الروح، فسيبقى الأمل حاضراً، والقدرة على هزيمة كلّ اعتداء وظلامٍ قائم.

«افتى فاستجبنا فانتصرنا»، لا يزال صداها يتردّد في أرجاء العراق حاملةً معها العزم على بناء مستقبل أفضل في عراق قوي مستقر وقوي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى