تأمّلات في إخاء الشهداء..!
بقلم _ كوثر العزاوي
لا شك أنّ لأرواح الشهداء صبغةً ملكوتية، تحفّها أسرار المناجاة التي يتفرّدون بها، وتجعل من حضورهم بيننا حالةً من الإلهام والتأمل. وغالبًا ما نجد أنفسنا مأخوذين بفيض هذا الحضور، إذ يتحوّل من واقعٍ إلى رمز، ومن ذكرى إلى شاهد على صفاء النية وصدق العهد.
من جملة ما استوقفني في هذا السياق، ما جرت عليه السُنّة الشريفة عند عقد المؤاخاة بين المؤمنين، وهي من الأعمال المستحبّة التي يُؤتى بها في ذكرى عيد الغدير الأغر، حين يقول المؤمن لأخيه: “آخيتك في الله، وصافيتك في الله….ولا أدخل الجنة إلا وأنت معي!”
عبارة تُتلى كثيرًا في تهاني العيد، حتى باتت مألوفة على الألسن. غير أنني وجدتني أتأمّلها من زاويةٍ أخرى، حينما رأيت كيف يتحقق هذا الوعد الصادق بين الشهداء، وكيف أن الله تعالى قد جعل من إخلاصهم خَتْمًا يطبع أرواحهم، حتى ليكاد المرء يُدهش من سرعة لحوق الشهيد بأخيه الشهيد، وكأنما أرواحهم قد تعاهدت في عالمٍ آخر، وكتبت على نفسها ألا تفترق حتى في الآخرة!
فهل لذلك تفسير سوى أن في أرواحهم تخاطُرًا خفيًا، وخطراتٍ تهفو وترنو لبعضها، تسير على نهجٍ من الصدق لا تبلغه الكلمات، وتُجسِّد معنى الأخوّة في أبهى صورها؟
هكذا يعلّمنا الشهداء أن الأخوّة في الله ليست مجرّد دعاء نتبادله، بل هي ميثاقٌ تُسطّره الأرواح قبل أن تنطق به الألسن، وتُثبته المواقف قبل أن تخطّه الكلمات.
١٥-ذو الحجة-١٤٤٦هــ
١٢-حزيران-٢٠٢٥٢م