نظرةٌ إجمالية عن كلمات السيد الحوثي الأسبوعية
بقلم _ الكاتب اليمني محمود وجيه الدين
هُنا اليوم…في طبيعةِ عصرِ «المعلومات والتكنولوجيا». نلحظ اجتياحًا معلوماتيًّا حولَ احداثِ منطقتنا والعالم بشكلٍ هائل جدًا ، لا يُسْتَطَاع السيطرةَ عليه، ولدرجةِ وصول التأثيرُ الصحيح كان أوِ الخطأ إلى نواةِ المجتمعات وهي الأسرة ثمَّ يسري كما سريانُ الدم. فأمامَ هذا العصر، هناكَ تحديّات يسعى الفرد أن يتجاوزها كالتشتّت وانعدام الوعي بسبب الضخِّ الغزير، وعدم قدرة تحليل الواقع وتفكيك المُستجدّات وتفسير الغائيات، تفسيرًا صائبًا، وصعوبة الخروج بنتائج واضحة. وأمّا مَن لم يخُضِ التحديّات فلا ذكرَ له؛ فالموضوع أكبرُ منه!
وفي ضوءِ هذهِ الحقائق… واقِعُنا نجد استمرارُ الكيان الصهيوني بالإبادةِ الجماعيّة في غزّة «جريمة القرن الواحد والعشرين» على مدى سنةٍ كاملةٍ وشهور التي سمِعت بها المعمَورة بِأسْرِها، ومن خِلال التغطيات الإعلاميّة بمختلف وسائلها ولغاتها وأمصارِها ورؤى أصحابِها .كان على الدوامِ في اليمن، يُلقي سماحةَ السيّد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (حفِظهُ الله) كُلَّ خميسٍ، كلمةً متلفَزَةً حول المستجدات الأسبوعيّة طِوال هذه الشهور الطويلة للعدوان والأحداث الإقليميّة بشكلٍ دائم.
هو ليسَ مِن جماعةِ السفسطة القديمة، ولا ينتمي للاتجاهِ التجريبي المادي، وكذلك لا هو في المدرسةِ الواقعيّة أو القوميّة بعلمِ السياسة، ورؤيته في التاريخ على نقيض النظريات الدورية والمِثالية والمادية الطبيعية. فالعجيبُ في أمرِ هذا الرّجلِ الحكيم، طبيعة متابعته ومراقبته للتقارير عن التطّورات الدولية والسياسية والعسكرية التي تأتي إليه عن رصدٍ وتدقيق، فوق ما على عَاتِقِه من مسؤولياتٍ شاقةٍ وكثيرة اِجتماعية وعسكرية وداخليّة.. والله أعلم بالحال. مع ذلك تجِدهُ دقيقًا في سردِ مضامين الأحداث، ومُلِّمًا في البيان والتبيان حتَّى قال رجال المقاومةِ في غزَّة عن كلماته الأسبوعيّة حينَ يسمعوها: “ كأنُّه حاضرًا بيننا”.
بناءً على ذلك، هذا يدّلُ على أنَّه مُوليًا اهتمامًا شديدًا لا مثيلَ له خلال هذه المدة، وجهدًا كثيفًا قد نعجز-نحن- بالتعبير عنه، وبُرهان ذلك تجِد العالَم العربي والإسلامي والماكِنة الإعلاميّة الرائجة عاشت بعد أشهرٍ من العدوان فتورًا هائلًا وشيئًا من الروتين أمامَ جرائمِ الإبادة الجماعيّة ، لكنَّ كان السيِّد القائد أسبوعيًا لم يتغيّر ودائمًا ما يؤكد ألّا نُصاب بالملل والفتور والروتين، ووجوبُ أن تُكن الأحداث كفيلةً بأن تُهزَّ الضمير الإنساني وتحرِّكنا لساحةِ التفاعل والعمل باستمرار. أيضًا في الوقت ذاته كُلَّ أسبوعٍ يزداد تفاعُلًا وتأثُّرًا في جميعَ كلماتهِ بأطروحاتهِ المتفاوتة سواءٌ بالوصف الإنساني والعسكري والسياسي ولا سيِّما الديني ، والتي ليست متكرّرةً ومملة كمثل خطابات السّاسّة المتملِّقين بل بلغةٍ مُلِمّةٌ النواحي، ومتنوّعة، تضعُ الحُجَّة قِبال المسلمين، وتترك أثرًا واسِعَ المعنى في نفوسِ المستمعين . فعندما استمِعُ لكلمته طوال هذه الفترة، وفيما بعد أقومُ أحيانًا بمراجعةِ نصِّ الكلمة أو نقاط الخطاب، أجِد أربع مراحل للاستلخاص والاستقاء مِن كلمته: بناء المفاهيم، استخراج المعايير، بروزَ المؤشرات والشواخِص، توحيدُ المراحل.
أتعلمون لماذا يكون إطار كلمات سماحته ومحتواها ليست بزخمٍ تكراري بل بزخمٍ توعوي وتعبوي وتكُرِّس كُنْهَ البصيرة في الشعب اليمني ولِمَن يستمعه بخارج اليمن؟
ثمّة ثلاثة نقاط هي الجواب. لا يوجدُ أدنى شكٍّ، الاِرتباط الوثيق والتام بالله والتوفيق الإلهي واضح، مع مايحملُه من تقوى وزُهد وحِلم فهذا يفتح آفاق العلم والمعرفة والأخذ بزمام الأمور هي النُقطة الأولى. أمَّا الثانيّة فهو انطلاق السيّد القائد من جُملةِ تكاملية “ عينٌ على القرآن، وعينٌ على الأحداث ” وهذه المِيزة الحاضِرةُ بوضوحٍ فيه بكُلِّ كلماته الأسبوعيّة، وكُلَّ أسبوعٍ يُقدِّم رؤيته بأسلوبه القويم وبنوعٍ مختلف عن ذي قبل . أمَّا الثالثة فهي نداءته المسؤولة التي تنادي المسلمين جميعًا ودون طائفةٍ دون أخرى أو فئة دون أخرى، بل محوريّة القضية الفلسطينية ألا وهو «القدس الشريف»، وهذا تعطيه شيء من الجاذبيّة وتُبيّن جذور الإشكال والأخطار وتوضِّح الحلول الصحيحة بدلًا عن التقاعس والخذلان ورمي حلّ المشكلة إلى الأمم المتحدة، وترسِم معالِم النهضة الإسلاميّة في مواجهة الغرب والعزّة الإيمانية والكرامة الإنسانية التي يحتاجها كثير من العرب والمسلمين وليس الكُل.
أخشى ألّا نكون مُقدِّرين لنداءته، وألّا تؤثِّر في أمتنا المستعصيّة شيء. فجزاء الله عزَّوجل عنَّا وعن شعبِنا وعن أُمتنا العربية والإسلاميّة أعظم الجزاء.