الحرب الأمريكية الإيرانية حرب على صفحات الإعلام السني والبعثي والإسرائيلي فقط.

بقلم: ضياء أبو معارج الدراجي

 

في الوقت الذي تنعم فيه العلاقات الأمريكية الإيرانية بنوع من الهدوء الحذر، بعيدًا عن ضوضاء الإعلام، تتعالى الأصوات في الفضاء الإلكتروني، وتحديدًا من منصات إعلامية مرتبطة بالبعثيين والطائفيين وبعض الجهات الخليجية، لتعلن – دون دليل – اندلاع حرب عالمية نووية وشيكة بين الولايات المتحدة وإيران.

 

يتصدر هذا المشهد الافتراضي وجوه مألوفة مثل ستيفن نبيل وأحمد البشير وأحمد الأبيض، إلى جانب منابر إعلامية مثل “الأخوة النظيفة”، و”الأعظمية نيوز”، وفايق دعبول، وغيث التميمي، وهي جهات لا تتوانى عن تضليل الرأي العام بإثارة الذعر، ونشر سيناريوهات لا تمت للواقع بصلة، حتى أصبح العراق بأعينهم “غُمانًا” يسهل تهييجه وتوجيهه نحو أي صراع موهوم.

 

لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن هذه الروايات الملفقة: فلا واشنطن ولا طهران في وارد التصعيد الشامل، رغم التوترات العارضة والمحدودة. نعم، هناك اضطرابات في كاليفورنيا، ونعم، اتخذت الولايات المتحدة قرارًا احترازيًا بسحب العوائل والموظفين غير الضروريين من بعض مناطق الشرق الأوسط، لكن هذه الإجراءات لا تعني حربًا وشيكة، بل تعكس تخوفًا أمريكيًا من تصرف متهور قد تقدم عليه إسرائيل – لا إيران – بعد تحذيرات صدرت عن إحدى الدول العربية، مفادها أن حكومة نتنياهو قد تجرّ المنطقة لصراعٍ مفتعل لإشغال الكنيست عن مشروع إقالته المتصاعد من الداخل الإسرائيلي نفسه.

 

البيت الأبيض، في ظل هذه الظروف، لا يبدو حاسمًا ولا متزنًا. أما ترامب، بابتزازه المستمر لدول الخليج، فقد حشر نفسه في زاوية حرجة يصعب الخروج منها بسهولة. لقد وعدهم بتوفير الأمن مقابل “الترليونات”، لكنه اليوم يواجه واقعًا صارمًا: أمن الخليج لا يُشترى ولا يُوفر بإشعال حرب إقليمية مع إيران، بل بتحقيق توازن سياسي واستقرار شامل في المنطقة.

 

وأمام هذا الواقع، يبدو العراق هو المستفيد الوحيد من جنون هذه الحملات الإعلامية، إن أحسن اختيار موقفه. فالعراق اليوم ليس كما يتخيله الحالمون بالانقلابات والمنتظرون للدبابات الأجنبية. العراق يعيش مرحلة تحولات هادئة، وإن شابها اضطراب، إلا أنها أقرب إلى النضج الوطني منها إلى الانفجار.

 

وفي تطور نوعي قلب المشهد تمامًا، جاء كشف إيران – بوثائق رسمية – عن تورط منظمة الطاقة الذرية الدولية بعلاقات وتنسيق سري مع إسرائيل، وهو ما شكّل فضيحة مدوية قلبت جميع المعادلات، وأسقطت آخر أوراق الضغط الغربي. منذ تلك اللحظة، لم تعد قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملزمة لإيران، لأنها لم تعد جهة محايدة، بل طرفًا منحازًا لعدو واضح، الأمر الذي منح طهران شرعية الانسحاب التدريجي من القيود التقنية التي التزمت بها سابقًا، دون أن تُواجَه بأي إجماع دولي موثوق.

 

إلى المطبلين والحالمين بتغيير المعادلات عبر الفوضى، نقول: افهموا جيدًا أنكم مجرد امتداد لعقلية بائدة لا تعرف إلا الخراب. العراق يسير – رغم العقبات – نحو استقرار متدرج، ومن يُراهن على الحروب الخارجية أو الانقلابات الداخلية فهو لا يريد لهذا الوطن خيرًا، بل يعيد تكرار أخطاء الماضي القريب، حين ظن البعض أن تغيير الأنظمة يأتي على يد الغرباء، فكان الثمن دماءً وخرابًا وتمزقًا اجتماعيًا ما زلنا نعاني تبعاته.

 

إنَّ من المؤسف أن تصدقوا بصفحات الفيسبوك وتغريدات تويتر التي تحولت لساحات حرب إعلامية تُنسج فيها الأكاذيب، ويُفبرك الواقع حسب أهواء من يمولها، لا سيما حين تتلاقى مصالح البعثيين المهزومين والطائفيين المتربصين والإعلام الإسرائيلي الذي لطالما حلم بإشعال صراع شامل يستنزف الجميع ويؤخر نهوض أي مشروع سلام إقليمي.

 

البعض في الداخل العراقي، ممن يسمّون أنفسهم “معارضين”، لا يقلّون سوءًا. هؤلاء يعيشون في الخارج، لا همّ لهم سوى التجييش، وخلق جوٍّ من الهلع في الداخل، وإيهام الناس بأن الإنقاذ سيأتي من الخارج، متناسين أن أمريكا نفسها انسحبت من أفغانستان والعراق لأنها تدرك أن القوة العسكرية لم تعد طريقًا للحلول السياسية.

 

حتى الشارع العراقي، الذي عانى طويلًا من الخداع، لم يعد كما كان. فالجمهور بات يميّز بين الوطني الحقيقي، وبين من يلبس ثوب الوطنية ليتكلم بلسان الخارج. ولم تعد مقاطع الصفحات الساخرة تؤثر كما كانت، بل تحوّلت إلى عروض هزيلة، تفتقر إلى الجدّية وتحولت إلى وسيلة للضحك أكثر من كونها خطابًا واعيًا.

 

يا أهل العراق، من سنة وشيعة، عربًا وكردًا وتركمان، لا تُصدّقوا من يريد أن يضعكم وقودًا في حرب ليست حربكم، ولا في خصومة لا مصلحة لكم فيها. العراق لا يحتاج إلى الانجرار إلى حرب لا تخصه، بل إلى بناء بيت داخلي قوي، يستند إلى الدستور، ويحتكم إلى القانون، ويُقصي من يحلم بعودة الدكتاتورية أو نشر الطائفية أو إعادة عسكرة المجتمع.

 

ختامًا، لا حرب في الأفق بين أمريكا وإيران، إلا في خيال المفلسين سياسيًا، والباحثين عن الأضواء عبر تهييج الغُمان. أما الواقع، فيقول إن العراق باقٍ… بسلامه، ووحدته، ورفضه أن يكون بندقية بيد أحد. وما تبقى من رؤوس العفالقة والطائفيين ستُسحق بسلمية العراقيين ويقظة وطنييهم، بإذن الله.

 

ضياء أبو معارج الدراجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى