“شهداء سبايكر”
شهداء سبايكر.. جراح الذاكرة العراقية
بقلم _ الباحثة زهراء الساعدي
في صبيحة حزينة من حزيران عام 2014، اهتزّت الأرض في تكريت على وقع جريمة مروّعة ستبقى محفورة في ضمير العراق والعالم الإنساني أجمع. جريمة لا يمكن أن توصف إلا بأنها مجزرة إبادة جماعية مكتملة الأركان. إنها مجزرة سبايكر، التي راح ضحيتها أكثر من 1700 شاب عراقي، غُدر بهم فقط لأنهم أبناء هذا الوطن، ولأنهم ارتدوا بزّة العسكرية العراقية حبًا لا رغبةً بسلطة أو جاه.
هؤلاء الشهداء لم يحملوا سلاحًا لحظة اعتقالهم، كانوا مجندين في طور التدريب، بعضهم لم يتجاوز العشرين عامًا، حلمهم أن يكونوا حماةً للوطن، لا ضحايا لثأر طائفي مقيت، ولا أوراقًا في يد خونة الداخل والمتآمرين من الخارج. تم اقتيادهم من قاعدة سبايكر العسكرية إلى العراء، إلى حافة النهر، إلى مقابر جماعية نُحرت فيها الكرامة قبل الأجساد، وسُقي فيها دجلة بدماء شباب نقيّ، لا ذنب له إلا الولاء للعراق.
لم تكن مجرد مجزرة
سبايكر لم تكن مجرد حادثة دموية ضمن سلسلة العنف التي عصفت بالعراق، بل كانت طعنة في قلب الأمة، كشفت هشاشة المنظومة الأمنية، وتواطؤ بعض الأطراف، وغفلة الدولة عن حماية أبنائها. كما كشفت الوجه القبيح لتنظيم “داعش” ومن آزره أو سكت عنه. تلك اللحظة كانت اختبارًا مؤلمًا لضمير الإنسانية.
أمهات سبايكر.. صبرُ زينبيّ في زمن الوحشة
ما بين الانتظار المؤلم، والتعرف على الرفات في قبور جماعية، والتشييع إلى مثوىً يليق بالشهداء، وقفت أمهات سبايكر على جدار الوجع. منهن من قضت قبل أن تتعرف على ابنها، ومنهن من علّقت صورة الغائب على باب البيت تنتظر معجزة لا تأتي. هؤلاء النسوة هنّ حكاية العراق بأسره: وطنٌ مجروح، وأمٌ تزرع في ترابه فلذات كبدها دون أن تنال عدالة تامة.
العدالة البطيئة… والضمير الحي
ورغم أن الدولة العراقية لاحقًا باشرت بفتح المقابر الجماعية وتوثيق الجريمة ومحاسبة بعض الجناة، إلا أن العدالة لا تزال ناقصة. لا تكفي محاكمة أفراد، فالجريمة كانت منظّمة، ومتورطة فيها جهات محلية وإقليمية. العدالة لسبايكر تعني اعترافًا رسميًا، ومناهج تُدرّس، ونصبًا تذكاريًا يروي للأجيال ما حصل، وتعني قبل ذلك كله أن لا تُكرّر الجريمة بثوب جديد في مكان آخر.
شهداء سبايكر… حيّون فينا
شهداء سبايكر ليسوا أرقامًا، ولا تواريخ منسية، بل هم ضميرٌ حيّ يجب أن نحتفظ به في وجداننا. إن الوفاء لهم لا يقتصر على ذكرى سنوية، بل هو في بناء دولة عادلة، وجيش وطنيّ يحمي أبناءه، وفي رفض كل خطاب طائفي أو تقسيمي، وفي نشر الوعي ضد الكراهية والفرقة.
سبايكر لم تكن النهاية، بل كانت بداية لوعيٍ جديد: أن لا سلام بلا عدالة، ولا وطن بلا كرامة، ولا مستقبل بلا ذاكرة. رحم الله الشهداء، ولعن الله من خان الأمانة.
Zahraa Al-Saedi