الغرب كسرابٍ بقيعة والتحولات الكبرى في المنطقة العربية والفلسطينية
بقلم _ فتحي الذاري
على مر العقود، كان الغرب يُصوّر ذاته كحامٍ للعدالة، وداعمٍ لحقوق الإنسان، وراعي السلام في الشرق الأوسط. لكن الوقائع على الأرض تظهر أن ذلك الوهم سرعان ما يتبدد أمام الحقائق المدمرة، التي تؤكد أن الغرب، بمواقفه وسياساته، هو كسرابٍ بقيعة، يخدع الشعوب ويخون المبادئ، ويكرّس على أرض الواقع نظامًا ينهش القضية الفلسطينية ويتسلل عبر ملفات التطبيع والخيانة
في مصر، يتواصل صخب العيد، برغم الفجوة الواسعة بين القيادة السياسية (السيسي) والأزهر الشريف، الذي يمثل رمزًا للأمة الإسلامية، حيث تظهر لغة الجسد أن هناك توترًا وخلافًا عميقًا في رسائل التواطؤ أو الفقدان للهوية الدينية أمام تحولات السياسة، بينما غابت غزة عن خطبة العاصمة الإدارية في وقت تُمارس فيه إسرائيل إجراءات الاحتلال بشكل عنيف، فيما يُقام صلاة العيد في القدس على أنقاض منازل الشعب الفلسطيني، وفقًا لمشاهد من المسجد الأقصى، وسط قيود إسرائيلية وتحديات مريرة.
وفي إطار التضحية، تظهر إسرائيل وكأنها تختبر قدرات استنزاف الفلسطينيين: إذ ثقلُ التضحية بالطبيعة، كالخنازير في أرض الرباط، شدَّ انتباه وسائل الإعلام، لتؤكد أن المعركة ليست فقط عسكرية، بل رمزية، وتُظهر حجم تأثير الاحتلال على هويّة الشعب الفلسطيني.
في عمق قطاع غزة، حيث العزيمة والأمل لا ينطفئان، تتواصل الغارات والجرافات الإسرائيلية على مدار العيد، وغزة تؤدي صلاة العيد وسط الأنقاض، مُعلنة أنها مدينة المقاومة والصمود. في حين يبرز الإعلام الإسرائيلي أن المليشيات التي تسلحها تل أبيب تتلاعب بالتهريب والابتزاز، ولا تعطي القضية الفلسطينية أولوية، كاشفًا أن أدوات الاحتلال تعتمد على تصعيد الانقسامات داخليًا، وتحويل فلسطين إلى ساحة صراع مفتوحة.
الإحباط يزداد مع صرخات الفلسطينيين، مع بقاء النضال مستمرًا، رغم محاولات الاختزال الإعلامي، ومع بقاء الصورة واضحة للموت والدمار والابتزاز الدولي لحقوق فلسطين، يبرز صوت فلسطيني ينادي: “غزة ليست وحدها”، والأمل في انتفاضات مقاومة تكتب صفحات التاريخ
وفي سياق أكثر تعقيدًا، تتضح أن مواقف القوى الكبرى، وخصوصًا الولايات المتحدة، تلعب دورًا غامضًا، حيث تضحك على الكذبة بوقف الحرب، لكنها تترك أرض فلسطين لقوات الإبادة تتواصل في إبادة رباتها، بمباركة الفيتو الأمريكي الذي يُعد بمثابة الضوء الأخضر لمواصلة القتل والتدمير. وفقًا لمنشقين، يُعدّ هذا الفيتو بمثابة حرس لوقف غير حقيقي، وهو في واقع الأمر، تحالف غير معلن بين أمريكا وإسرائيل، يهدف إلى إبقاء الشعب الفلسطيني في حالة من المهانة والاضطراب المستمر.
وبينما تتغاضى الدول العربية، وخاصًة تلك التي كانت يومًا داعمةٍ للقضية، عن الموقف الدولي، فإن الدول المطبعة تواصل عمليات التآمر، حيث تضخُّ الأموال، وتشتري الأسلحة، وتوقع على اتفاقيات أمنية واقتصادية تُمكّن الكيان من التمدد، وتنهب موارد المنطقة، في استثمارٍ فاسدٍ يحقق مصالح الغرب وإسرائيل، على حساب الشعب الفلسطيني، وحقوقه، ومستقبله.
وفي النهاية، يبقى الغرب كسرابٍ بقيعة، يعوزه الحقيقة والضمير، سواء عبر مواقفه السياسية المناهضة لمطالب الشعب الفلسطيني أو عبر دعم الأنظمة العربية المنصاعة للإملاءات. فهذه السياسات تفقد المنطقة أكثر من أي وقت مضى، وتُعمّق الانقسامات، وتُشجع على التآمر في وجه
أما الشعوب العربية والإسلامية، فالصمود هو الخيار الأوحد، والوعي المتزايد هو السلاح الأمضى، بينما يظل الغرب، بما فيه من مظاهر التواطؤ والخيانة، أمام مرآة الحقائق، يختفي خلف سرابٍ مزيف،و لن يستمر في خداع الشعوب من خلال أكاذيبه ووهمه الزائف، لكن الحقيق لن تتغير، وسيظل صوت المقاومة ونداء الحق يعلو رغم أنف المؤامرات. إن الاستمرار في دعم قضايا الأمة، والتكاتف لمواجهة مخاطر التطبيع، وتعزيز الوعي لدى الأجيال الجديدة، هو السبيل الوحيد لتعزيز الهوية واستعادة الحقوق
وفي النهاية، لا بد أن يدرك العالم أن الشعوب الحرة والمطالبة بالعدالة ستظل دائمًا ضمير الأمة، وأن السياسات العدوانية والتواطؤ مع الاحتلال لن تُغيّر من حقيقة أن فلسطين ستبقى عنوان النضال وإلهام الأحرار في كل مكان. الصمود والوعي، عنصران أساسيان في مشهد مقاومة لا تلين، يقودان أخيرا إلى استعادة الحق، وتحقيق النصر التاريخي، وتصفية كل سرابٍ زائف رسمه المحتلون والمتواطئون. وأملنا أن يظل ضياء الحق يسري في قلوب الأحرار، ليخلف الظلام
ويقضي على سرابٍ الزائفي الذي
يُغيّب العدالة ويُشوه التاريخ.يتضح جليًا أن اليمن، رغم ما يمر به من معاناة وتحديات، لا ينسى قضيته المركزية ووقف إلى جانب إخوانه في فلسطين، مؤكدًا أن الصمت الدولي المريب أو التواطؤ مع العدوان لا يُعفي أحدًا من مسؤولياته. فهي رسالة واضحة أن الشعوب الحرة والأحرار في كل مكان، ليست وحدها، وأن صواريخ اليمنية (أنصار الله) ومقاومتهم المستمرة تعبر عن إرادة الصمود والتضحية. غزة ليست وحدها، واليمن، برغم مآسيه، سيظل صوتًا مدويًا في وجه الظلم، يذكر العالم بأن الحق لا يموت، وأن المقاومة خيارُ الأحرار للحفاظ على كرامتهم وحقوقهم، حتى تُفرض العدالة وينتصر الحق على الظلم.