تداعيات الغارة الإسرائيلية على إيران تصعيد يُنذر بتوسع الصراع الإقليمي .؟
بقلم: طه حسن الأركوازي – الخبير بالشأن السياسي والأمني
في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة شهدت منطقة الشرق الأوسط تصعيداً غير مسبوق تمثل في سلسلة غارات إسرائيلية قُدّر عددها ما بين 250 إلى 300 غارة ، أستهدفت مواقع عسكرية وأمنية حساسة في العمق الإيراني ، لم تعد هذه التطورات مجرّد تكهنات إعلامية ، بل بدأت تتكشف تفاصيل عملية عسكرية واسعة ونوعية يُرجح أنها أستهدفت تغييب رموز ومرتكزات أساسية في بنية الدولة الإيرانية .
وبحسب مصادر أستخباراتية فإن الضربات تركزت على منشآت نووية ، ومراكز أبحاث عسكرية ، إضافة إلى مقار قيادية للحرس الثوري .؟
تشير تقارير أولية إلى أستهداف شخصيات بارزة من بينها :
1- اللواء حسين سلامي ، قائد الحرس الثوري .
2- اللواء محمد باقري ، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة .
3- العالمان النوويان محمد مهدي طهرانجي وفريدون عباسي .
تلك الأهداف تمثل في مجموعها نخاع القيادة الإيرانية في المجالات النووية والعسكرية ما يجعل هذه الضربة واحدة من أخطر الضربات التي تعرضت لها إيران منذ الحرب الإيرانية-العراقية ، لكن يجب أن لا ننسى بأن أيران دولة مؤسسات نموذجية ورصينة لم تتأثر بغياب أي شخصية مهما كان حجمها أو منصبها .
أولاً : قراءة أولية في السياق والدلالات .؟
توقيت العملية ، ودقتها ، وحجمها ، كلها مؤشرات على تحوّل أستراتيجي في قواعد الاشتباك بين إسرائيل وإيران ، فبعد سنوات من الحروب بالوكالة والضربات المتفرقة في سوريا والعراق ولبنان واليمن جاءت هذه الضربة بمثابة أنتقال إلى مرحلة الصدام المباشر .
في السياق ذاته ، يمكن قراءة الهجوم كجزء من تحرك أستباقي من قبل إسرائيل لإجهاض أي تقدم ملموس في البرنامج النووي الإيراني ، خاصة بعد تحذيرات متكررة من أجهزة أستخبارات غربية بأن إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من أمتلاك “قدرة نووية كاملة”.؟
ثانياً : مؤشرات الرد الإيراني تصعيد أم أحتواء .؟
حتى لحظة كتابتنا لهذا المقال لم يصدر رد فعل إيراني رسمي يتناسب مع حجم الهجوم بأستثناء تأكيد وقوعه وتأكيد أستشهاد القادة والعلماء ومع ذلك يتوقع مراقبون أن يكون الرد الإيراني “مزلزلاً”، وقاسياً يوازي أو يتجاوز حجم الضرر الذي تعرض له ، وربما يأخذ أشكالاً غير تقليدية تمتد من الرد المباشر إلى تفجير ساحات الوكلاء في اليمن والعراق ولبنان ومُمكن حتى الداخل الأمريكي والأسرائيلي ، فلإيران قدرات وأمكانات يصعب التكهن به .
ويُحذّر محللون من أن الانزلاق إلى حرب شاملة بات أحتمالاً مطروحاً خاصة مع إعلان إسرائيل حالة الطوارئ ، ورفع مستوى التأهب العسكري ، وأستدعاء الاحتياط .؟
ثالثاً : العراق ساحة أرتدادية لصراع الكبار .؟
الضربة الإسرائيلية ضد إيران سواء وُصفت بأنها هجوم نوعي محدود أو بداية لمرحلة تصعيد أستراتيجي ، تحمل تداعيات خطيرة ومباشرة على الواقع العراقي ، لأسباب متعددة تتقاطع فيها الجغرافيا مع النفوذ السياسي والأمني .
1- تأجيج التوترات الأمنية :
يمثّل العراق إحدى الساحات المفتوحة لتصفية الحسابات بين طهران وتل أبيب ، فضلاً عن كونه حلقة رئيسية في محور المقاومة الذي يربط إيران باليمن ولبنان وربما أماكن أخرى غير مُعلنه ، وتشير تقارير أمنية إلى أن العراق يواجه في 2025 تهديدين متصاعدين :
أ• عودة نشاط تنظيم داعش أو بروز جماعات مسلحة جديدة يتم توظيفها كأدوات “تشتيتية” في حال تصاعد دور الفصائل المسلحة في الرد على إسرائيل .؟
ب• أرتفاع خطر الصدام المباشر بين الفصائل المسلحة الموالية لإيران وبين القوات الأمريكية المتمركزة في العراق .
2- الفصائل المسلحة على صفيح ساخن :
وجود فصائل قوية وذات قدرات قتالية عالية مدعومة من إيران يجعل من العراق أحد أبرز ميادين الرد الإيراني غير المباشر وأي تحرك من هذه الفصائل سواء بضرب قواعد أمريكية أو أستهداف مصالح إسرائيلية ، ذلك سيحرج الحكومة العراقية وقد يؤدي الى أنفجار الوضع الداخلي .
3- تعميق الانقسام السياسي :
الصراع الإقليمي سيعيد ترتيب الاصطفافات السياسية داخل العراق ، فبينما ستدعو بعض القوى السياسية إلى دعم إيران بأعتبارها “شريكاً عقائدياً”، ستفضل قوى أخرى الحياد أو التهدئة خشية من تحول العراق إلى ساحة حرب بالوكالة ، ويأتي هذا الانقسام في وقت حساس مع أقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر 2025 ، ما يُهدد بتفجر الأوضاع السياسية داخلياً .
4- تأثيرات أقتصادية مُقلقة :
رغم تقديرات البنك الدولي بتحقيق نمو أقتصادي طفيف للعراق (2.6%) في 2025 ، إلا أن تصاعد التوترات الإقليمية سُيهدد هذا النمو ، فالاستثمارات الأجنبية التي بدأت بالعودة تدريجياً ستتراجع ، وقد تتعطل صادرات النفط إذا أستهدفت المنشآت النفطية جنوب العراق ، كما حدث جزئياً خلال أزمة الخليج في 2019 .
5- إرباك الأولويات الحكومية :
في حال توسع الصراع الإقليمي ستضطر الحكومة العراقية إلى إعادة تخصيص مواردها لمواجهة التحديات الأمنية على حساب مشاريع التنمية والإصلاح الإداري والاقتصادي وقد يُؤدي ذلك إلى تعليق برامج الإصلاح التي بدأتها حكومة السوداني ، وعودة الزخم للمقاربات الأمنية الطارئة على حساب الرؤية الاستراتيجية الطويلة .
أخيراً .. إن الضربة الإسرائيلية على إيران ليست مجرد عملية عسكرية تقليدية ، بل هي حدث مفصلي قد يُعيد رسم خارطة النفوذ والتحالفات في المنطقة ، وعلى الرغم من أن الرد الإيراني لم يظهر بعد إلا أن الشرق الأوسط بات اليوم على حافة مرحلة جديدة من الصراع قد تكون أكثر شمولاً وعنفاً .
بالنسبة للعراق ، فإن الحياد لم يعد خياراً سهلاً ، فموقعه الجغرافي ، وتركيبته السياسية ، ووجود فصائل مسلحة مرتبطة بمحور المقاومة تجعله في قلب العاصفة ، وعلى صانعي القرار في بغداد أن يدركوا أن إدارة التوازنات الداخلية والإقليمية تتطلب حنكة سياسية عالية وقرارات أستباقية لتجنب تحول العراق إلى ساحة مواجهة مُباشرة في صراع يتجاوز حدوده الوطنية …!