صمت مزلزل
بقلم _ ريما فارس
في واحدة من أكثر العمليات جرأة منذ سنوات، شنّت إسرائيل هجمات جوية على مواقع حساسة داخل إيران، استهدفت منشآت عسكرية وأمنية، وأدّت إلى استشهاد عدد من القادة المهمين، بالإضافة إلى إلحاق أضرار جزئية بأحد المرافق النووية قيد التطوير. هذه الضربة، التي روّج لها الإعلام الإسرائيلي على أنها “نقطة تحوّل”، كشفت قدرات استخبارية محدودة أكثر مما أكدت تفوّقًا ميدانيًا.
صحيح أن العملية حقّقت بعض الاختراقات، إلّا أنها فشلت في بلوغ أهدافها الاستراتيجية، ولم تُسقط البنية التحتية الأمنية أو النووية لإيران. الدفاعات الجوية تعاملت مع الهجوم، واعترضت جزءًا من الصواريخ والطائرات المسيّرة، بينما سقط بعضها على أهداف معلنة مسبقًا، ما يشير إلى أن العدو اعتمد على معلومات قديمة أو مُسرّبة، لا على اختراق مباشر وفعّال.
ورغم الخسارة المؤلمة بسقوط بعض القادة، فإن المؤسّسات العسكرية والأمنية الإيرانية لم تُصَب بالشلل، بل سارعت إلى تفعيل خطط الطوارئ، وأعادت انتشار وحداتها، وأدخلت العدو في حالة من العمى الاستخباري الكامل. لم يتمكّن من التقدير الدقيق لما أصاب، وما لم يصب، ما جعل صورته الاستخباراتية بعد العملية أكثر غموضًا من قبلها.
الداخل الإيراني بقي متماسكًا. لا إعلان طوارئ، ولا خلل في البنية اليومية، والأسواق والمؤسسات واصلت نشاطها. وهذا الهدوء ليس عاديًا فقط، بل مشوب بتوترٍ هادئ يُنذر بما قد يُجهَّز في الرد، الذي لم يصدر بعد، ما يُبقي المنطقة بأكملها في حالة ترقب.
في المقابل، تعاني إسرائيل من مأزق استخباري حاد. فمَن ضلّ في أنفاق غزة، لا يمكنه أن يتعامل بفعالية مع شبكة الأنفاق الإيرانية المعقدة، الممتدة آلاف الكيلومترات تحت الأرض، والتي تخفي منظومات صاروخية ضخمة، مركبات مدرعة، أسرابًا من المسيّرات، ومراكز قيادة محصنة بعمق.
اختيار أهداف علنية لم يمنح إسرائيل اليد العليا، بل كشف ارتباكها وفقر بنك أهدافها. اليوم، لا صورة دقيقة لديها عن مواقع القدرات الإيرانية الفعلية، ولا تمييز واضح بين ما يُمكن مهاجمته، وما قد يكون فخًا قاتلًا. “المنطقة الرمادية” اتسعت، والضباب الاستخباري خنق الرؤية.
حتى اللحظة، لم يصدر رد إيراني مباشر، وهو ما يطرح أسئلة في الرأي العام. لكن من يعرف العقيدة العسكرية الإيرانية يدرك أن الرد لا يأتي تحت تأثير العاطفة أو الإعلام، بل يُحضّر له بصبرٍ استراتيجي. فكما قال السيد القائد علي الخامنئي: “إسرائيل ستُزلزل بضربة إيران”، وهو وعد لا يُطلق ارتجالًا، بل ينذر بما هو أكبر من مجرّد ردّ محدود.
إنه صمت يسبق العاصفة… لكنه صمت واعٍ، يعرف متى يصمت، ومتى يُدوّي.