كيان العدو بين وهم القوة وحقيقة السقوط

بقلم _ بشير ربيع الصانع

أراد الكيان أن يُجرّد إيران من برنامجها النووي، ظنًّا منه أن بإمكانه لَيَّ ذراع دولة بحجم التاريخ، لكنه ما إن أطلق شرارة المواجهة، حتى انقلب السحر على الساحر، ووقع في فخٍ لم يكن في حسبانه. تلقّى الضربات كمن يُصفَع في عتمة، لا يرى من أين تأتيه، ولا كيف يردُّها، فاهتزت أركانه، وتعثّرت حساباته، وبدت صورته كما الذي يتخبطه الشيطان من المسّ، مترنحًا لا يقوى على الثبات.

هكذا تُسدل ستارة الغرور، وتُعلن نهاية كل متغطرس. فلا “قبة حديدة” حمت، ولا “ثاد” نفع، ولا “لاحيتس” أنقذ، ولا تحالف دولي استطاع أن يوقف سيل بأسٍ يماني وإيراني، هو في حقيقته بأسٌ من بأس الله، الذي وعد فقال:
“وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاعتبروا يا أولي الأبصار.”

أين تلك الملاجئ التي كانوا يفاخرون بها؟ تلك التحصينات التي أقاموا حولها أساطير الأمن والحماية؟ صارت اليوم كمصائد موت. متى ما أصابها صاروخ، تحوّلت إلى فخاخ للمستوطنين، لا يخرجون منها إلا أشلاء، أو يُنتشلون بعد ساعات من تحت الأنقاض، والركام شاهد لا يكذب.

الكيان اليوم في مأزقٍ لم يشهد له مثيل. مأزق لا يقتصر على الجبهة العسكرية، بل يمتدّ إلى الحلفاء الذين بدأت ثقتهم تتآكل، وولاءاتهم تترنح، وسيرحلون عنه يومًا، تاركينه وحيدًا يتلقى الصفعة تلو الصفعة، ليُعاد إلى حجمه الحقيقي، ويُسحب إلى الزاوية التي جاء منها متطفلًا على أرضٍ ليست له.

لقد انكشفت الأكذوبة. سقط القناع عن وجهٍ ظل الإعلام العربي يُجمّله دهورًا. كان يروّج له كقوة خارقة، فإذا به مجرّد “نمر من ورق”، يعجز عن مواجهة بضعة رجال من غزة، في رقعة لا تتجاوز عشرات الكيلومترات، فكيف له أن يواجه إيران، الدولة التي تملك الأرض والسلاح والعقول والقرار؟

وعجبي من زعماء العرب! كيف استطاع هذا الكيان أن يستخف بعقولهم؟ كيف جعلهم يُؤمنون أنه “على كل شيء قدير”؟ أي سُباتٍ هذا الذي يعيشونه، وبيت العنكبوت في الحقيقة أشد من كيانه تماسكًا؟!

لم تكن المقاومة يومًا ترفًا سياسيًّا، ولا خيارًا تَحكمه الظروف، بل كانت وما زالت قدرًا مكتوبًا على جبين هذه الأمة، من رفضته سقط، ومن اعتنقه انتصر، ومن ظنّ أنه قد يحيد عن طريقه فقد حكم على نفسه بالذلّ والهوان.

إن ما يحدث اليوم هو مشهد يستحق التأمل والتدبر. الأمة بحاجة إلى أن تُراجع مواقفها، وتعيد تقييم تحالفاتها، وأن تُدرك أن النصر لا يأتي من تحت الطاولة، بل من صمودٍ كصمود غزة، وإباءٍ كإباء صنعاء، وثبات كجبال طهران.

أيُّ زمنٍ هذا الذي تُهاب فيه المستعمرات، وتُتّهم فيه المقاومات؟! وأيُّ خذلانٍ يسري في شرايين بعض الأنظمة حتى باتت ترى في العدوِّ صديقًا، وفي المقاوم عدوًّا؟!

العدو اليوم يتآكل من الداخل، أمنه النفسي منهار، جبهته الداخلية مُمزقة، مجتمعه السياسي متصارع، وشعوبه المُصطنعة بدأت تتساءل: ما الذي جاء بنا إلى هذه الأرض؟

لقد بدأت نهايته، لا بفعل صواريخ وحدها، ولكن بفعل سنن الله، تلك السنن التي لا تحابي أحدًا، والتي لا تُبقي للباطل سلطانًا إذا قامت الحُجة وظهر الحق.

وإن لم نعتبر، وإن لم نُصلح واقعنا على ضوء هذه الدروس، فإننا لا نخسر المعركة فقط، بل نخسر الدين والدنيا، ويُسلط الله علينا أراذل الخلق، ممن لا يرقبون فينا إلًّا ولا ذمة.

فلنُصغِ إلى النداء:
فاعتبروا يا أولي الأبصار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى