تطبيع الإعلام العربي

بقلم _ أحلام الصوفي

حين تُسلب الشعوب إرادتها، وتُحرّف القضايا عن مساراتها، يُطل علينا الإعلام العربي وقد خلع عباءة المهنية، وارتدى جلباب التبعية. لم يعُد ناقلًا للحقائق، بل أصبح أداة ناعمة في يد أعداء الأمة، يروّج لخطاب التطبيع، ويُزيّف الوعي، ويُقصي القضية الفلسطينية من جدول اهتماماته.

لقد باتت بعض الفضائيات العربية تسوّق للكيان الصهيوني من بوابة “السلام” المزعوم، وتقدّم رموز الاحتلال على أنهم شركاء في الحوار، بينما تُقصي صوت المقاومة، وتُشيطن كل من يرفض التطبيع أو يفضح الجرائم الإسرائيلية. هذا التحول لم يكن عفويًا، بل هو جزء من مشروع اختراق ناعم، يستهدف العقل العربي ويشوّه أولوياته.

وفي خضم الحرب الدائرة بين كيان العدو وإيران ومحور المقاومة، برزت ملامح الاصطفاف الإعلامي العربي مع العدو بشكل صارخ. إذ تحوّلت العديد من القنوات والمنصات إلى بوق يبرر الاعتداءات الإسرائيلية ويُحرّف الحقائق، متبنية الرواية الصهيونية بالكامل. فهي تُهاجم إيران وقوى المقاومة، وتُصوّرها كخطر يتهدد المنطقة، بينما تغض الطرف عن الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين.

لم يعُد الإعلام المتواطئ يكتفي بالصمت، بل بات شريكًا مباشرًا في الحرب النفسية التي يشنها العدو، من خلال التهويل والتضليل والتقليل من تأثير الردود المقاومة، بل والتشكيك فيها. إنه إعلام أُفرغ من رسالته، ليخدم مشروع الهيمنة، ويُهيّئ الرأي العام العربي لتقبّل الكيان كواقع طبيعي، وتبرير أي عدوان على من يرفضه.

إن ما نراه من انحراف في البوصلة الإعلامية ليس مجرد خلل عابر، بل هو نتيجة مشروع طويل المدى، استهدف الكلمة الحرة، وحاصر الوعي العربي في زوايا الترف والإلهاء. لقد أصبحت بعض القنوات والصحف منصات ناطقة باسم مشاريع أجنبية، تبث ما يُملى عليها، وتُسهم في تسويق الروايات المزيفة، متخلية عن دورها التنويري والتوعوي.

الإعلام العربي، الذي كان من المفترض أن يكون سلاحًا في معركة الوعي، بات سلاحًا يُشهر في وجه الحقيقة. تم اختزال القضايا الكبرى، وعلى رأسها فلسطين، في ثوانٍ معدودة، بينما تُمنح ساعات طويلة للبرامج الترفيهية، ومضامين تشجع الاستهلاك وتُكرّس الاستسلام.

وفي المقابل، يقف الإعلام المقاوم، رغم الحصار والتشويه، ليكشف الزيف ويُعيد للناس صوتهم الحقيقي. إعلام ينقل وجع الشعوب، ويوثق الجرائم، ويُسلّط الضوء على ما يُراد له أن يُطمس، ويُبقي جذوة القضية متقدة في القلوب والعقول.

إن معركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل في الشاشات والمواقع والمنصات. ومن يُمسك بالمايكروفون، يملك القدرة على تشكيل الرأي، وقيادة وعي الأمة. لذلك، فإن الدفاع عن إعلام صادق حر هو دفاع عن كرامتنا ووجودنا، ورفض للتطبيع الإعلامي الذي يمهّد لتطبيع أخطر على الأرض والهوية.

#اتحاد_كاتبات_اليمن

https://t.me/+yZJA_dQVii84Y2Vk

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى