ثبِّت بَوصَلةَ وَلائِك..!
بقلم _ كوثر العزاوي
“سِلْمٌ لِمَنْ سالمَكُم، وحَربٌ لِمَنْ حارَبَكُم”..!
عبارةٌ جليّة المبنى، واضحةُ المعنى، وردت في الزيارات الشريفة لأهل البيت “عليهم السلام”، كما في زيارة عاشوراء المشهورة، إذ جاءت على نحو العهد القاطع من المؤمنين إلى الأئمة المعصومين عامة، وإلى الإمام الحسين “عليه السلام” خاصة. وهي تعبيرٌ دقيق عن لمبدأ “التولّي والتبرّي” الذي يحدّد بوصلة الولاء والانتماء الحقيقي، ويجعل المؤمن في موضع السِّلم لكلّ من سالم الحسين وآله “عليهم السلام”، وفي موضع الحرب لكل مَن حاربهم، وفي خندق الولاء مع مَن يوالي آل محمد، وفي مواجهة العداء مع أعدائهم أينما كانوا، وكيفما كانوا، بغضّ النظر عن شكلهم ولونهم ولسانهم، “وإنّها لنقطةٌ على رأس السطر”.
إنّ تبنّي مبدأ “سِلْمٌ لِمَن سالمَكم، وحربٌ لِمَن حاربَكم” ليس شعارًا يُردَّد، بل هو ميثاقٌ يُترجَم على أرض الواقع، وموقفٌ عمليّ يتجلى في النصرة الصادقة، والولاء الحقيقي، ولو على صعيد الكلمة أو الدعم والتأييد، والتسديد بالدعاء والذكر، والحذر كل الحذر من الوقوع في شِراك الخذلان أو التهاون، فإنّ التغافل عن نصرة أهل الحق، قد يُعدّ نصرةً للباطل وأهله.
إنّ الصراع بين الحق والباطل لم يُختزل في واقعة كربلاء، ولم ينتهِ هناك، بل هو صراع ممتدّ عبر الزمن، باقٍ ما بقي الليل والنهار، متواصلٌ حتى ظهور الحجة المنتظر “أرواحنا فداه” فكلما امتدّ الزمان بأهله، نجد معسكران لا ثالث لهما: معسكر الحق، ومعسكر الباطل، وإنْ تغيّرت الأسماء والرايات.
وفي زماننا، لا يصعب على البصير أن يرى معالم هٰذَين المعسكرَين. فمعسكر الباطل تقوده اليوم قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها أمريكا الشيطان الأكبر، وربيبتها إسرائيل وأعوانهما من قوى الغرب وأعراب التطبيع، وكلّ أولئك يقود حربًا شعواء ضدّ الإسلام.
ومالحرب التي بدأها الكيان الصهيوني بالاعتداء على الجمهورية الإسلامية منذ أيام، سوى شاهد على الإمتداد العملي للمعسكرين الحسيني واليزيديّ في زمن الغيبة الكبرى، فجبهة الحق التي تمثّلها الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام الخامنئي “دام ظله”، وهو النائب عن القائد الأقدس وليّ الله الأعظم صاحب العصر والزمان “أرواحنا فداه”، فإنها تواجه المشروع الصهيوني – جبهة الباطل- بكل وضوح وشجاعة، لترسّخ الإمتداد الحقيقي لنهج الحسين “عليه السلام” مقابل الخط الأمويّ.
وهنا تتجلّى الحقيقة التي لا تقبل المواربة، وهي أنّ المؤمن الذي يريد أن يكون في صفّ الحسين، ومن أنصار الحجة المنتظر، لا يصحّ له أن يقف على الحياد في معركة اليوم، أو أن يُمسك العصا من الوسط، بل يجب أن يكون في خندق المواجهة مع القيادة الشرعية، مناصرًا لقضايا الأمة، سِلْمًا لِمَن سالم آل محمد، وحربًا لمَن حاربهم.
وهل يُعقل أن يدّعي أحدنا حبّ الحسين “عليه السلام”، ويقرأ زيارة عاشوراء، ويتغنّى بمبادئها، ثم لا يُنكِر سياسة الاستكبار العالمي، ولا يرفض حرب الكيان الصهيونيّ على دولة الإسلام؟ أليس هذا التناقض هو ذات الموقف الذي حذّر منه الإمام الحسين حين قال: “إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارًا في دنياكم”؟!
إنّ ما تُخطّط له قوى الاستكبار والصهيونية اليوم، من أجل إسقاط النظام الإسلامي في إيران، ومن معه من قِوى تمثّل مشروع التمهيد العقائدي والتمكين الإلهي، ما هو إلّا محاولة لإجهاض حلم البشرية والأولياء، وتأخير ظهور الحجّة المنتظر “عجل الله فرجه الشريف” ومن يقف متفرّجًا على هذه المؤامرة، أو يسكت عنها، فقد انحاز دون أن يدري إلى المعسكر الأموي ولو ادّعى الإنكار.
لذا، فإنّ المؤمن الحقيقي، الواعي لمسؤوليته، لا بد أن يكون متأهّبًا دائمًا، مخلصًا في تولّيه، صادقًا في براءته من أعداء آل محمد “عليهم السلام” عارفًا موقعه في هذا الصراع الممتد، مدرِكُا تكليفه الرساليّ، حريصًا على أن يكون صوته وتأييده وموقفه عونًا لمَن يمثّل النهج الحسينيّ، وامتدادًا لدماء الطفّ، التي لا تزال تسقي شجرة الإيمان في وجه الطغاة والمستكبرين.
إنّ العمل بمبدأ “سِلْمٌ لِمَن سالمَكم، وحربٌ لِمَن حاربَكم”، إنّما يمثّل في حقيقته مظهرًا من مظاهر الأرتباط بآل محمد “عليهم السلام”، وأنّ ارتباط محمد وآله هو ارتباط مباشر بالله “عزوجل”، وتلك عقيدة لاتقبل التبديل، وعهدٌ لا يتغيّر، ولا يُفسخ حتى بعد موتنا.
فالمعركة مستمرّة، لإنّها معركة الوعي، معركة العقيدة، معركة الوجود، معركة الولاء، والولاء لا يتبدّل، والموفّق في هذه الحرب، هو مَن عرف موقعه، وثبّت خطاه مع الحسين “عليه السلام” وأحسن النية، ومضى صادقًا حتى النفس الأخير.
٢٠-ذوالحجة-١٤٤٦هــ
١٧-حزيران-٢٠٢٥م