كذبة الإعلام المحايد

بقلم _ ضياء ابو معارج الدراجي

منذ أن بدأت الحروب الحديثة تتخذ أشكالًا إعلامية ونفسية، صار خطر الإعلام “المحايد” هو أكثر الأسلحة فتكا، لأنه لا يظهر في زي العدو ولا في لباس الصديق، بل يتسلل تحت شعارات المهنية، ويغلف سمه بورق الحياد، بينما هو في الحقيقة جزء من منظومة الحرب الناعمة ضد محور المـ&ـاومة.
إنّ هذا النوع من الإعلام – الذي يدّعي الوقوف على مسافة واحدة – ليس سوى أداة للعدو، يستخدمها للتسلل إلى عقول الجمهور، خاصة العربي منه، ليشكك في أي انتصار يتحقق لمحور المـ&ـاومة، ويضخّم أي عثرة تقع فيها، بل يبرر حتى المجازر إن وقعت على أيدي الصـ&ـاينة أو الأمريكان، ثم يعود ليندب الأخلاق والحياد كدموع تماسيح.

حين تطلق إيران صواريخها الدقيقة نحو مواقع عسكرية صـ&ـيونية، وتحدث دمارًا وحرائق وارتباكًا، يخرج هذا الإعلام ليقول: “القصف لم يسفر عن شيء يذكر… الخسائر مادية… المبالغات لا تفيد”.
وحين ترد إسرائيل برد خجول، يستنفر المحايدون صفحاتهم لتحليل “الدقة الإسرائيلية” و”الرسائل الذكية” و”الضبط الانفعالي”، وكأنهم ناطقون باسم الجيش الصهيوني بلهجة عربية!
هؤلاء الذين يهاجمون كتاب المـ&ـاومة، ويسخرون من تحليلاتهم، ما إن تصدق توقعاتهم – ولو مصادفة – حتى يصرخوا: “ألم نقل لكم؟”، وإن خابت تقديراتهم، عادوا يبكون مثل الضباع: “نحن فقط كنا ننقل الأخبار بموضوعية وحيادية!”
أين كانت موضوعيتهم عندما قُصفت دمشق وجنوب لبنان؟ أين كان حيادهم عندما دمرت غزة ؟ لماذا لم نر لهم صرخات حياد حين كانت أحياء بغداد تُنسف؟ أين حيادهم عندما قتل علماء الشيعة؟ ولماذا لا نسمع حيادهم حين تُوجّه البندقية نحو طهران وبيروت وبغداد وصنعاء؟
أمثلة كثيرة توثق خيانة هذا الإعلام المتخفّي:
🔸 حصان طروادة الإعلامي: مثلما تمّ استخدام الخدعة الخشبية لاختراق أسوار طروادة، تم زرع عشرات المحللين والناشطين و”المحايدين” في الفضاء الإعلامي العربي، ليكونوا حصان العدو داخل مجتمعاتنا.
🔸 جيش الشام الوهمي: كما نُشر في كربلاء أن “جيش الشام قد وصل”، فهرب الناس من حول الإمام الحسين (ع)، كذلك يتم تضخيم قدرات إسرائيل ونشر الأكاذيب عن تحشيد أمريكي أو ناتو وهمي، لزرع الخوف في نفوس الشعوب ومنعها من مساندة المـ&ـاومة.
🔸 تفجيرات الجامعة المستنصرية: أُلصقت بالجمهورية الإسلامية عبر إعلام صدام، وكانت مجرد تمهيد لحرب مجنونة ضد إيران، بعدما تمّ تضليل الشعب العراقي آنذاك. واليوم تُعاد نفس الأكاذيب بشكل ناعم، لكن بمنابر إعلامية يديرها من يدّعون “حب العراق”.
🔸 ترامب وصفقة الوهم: خرج ترامب يدعو للمفاوضات، بينما كان ينسّق مع نتنياهو لقصف العلماء الإيرانيين، وضرب منشآت نووية، ويفرض حصار اقتصادي قاتل، دون أن ينبس الإعلام المحايد ببنت شفة، إلا للحديث عن “تصعيد غير مبرر من طهران”.
🔸 تضليل في غزة: عندما قصفت المـ&ـاومة تل أبيب بالصواريخ الدقيقة، صرخ الإعلام المحايد: “صواريخ عبثية لا تؤثر”، لكن حين قصفت إسرائيل برجًا سكنيًا في طهران، قالوا: “ضربة استراتيجية هزت البنية التحتية للمـ&ـاومة!”
أي حياد هذا؟
🔸 شيطنة الحشد الشعبي: الإعلام “الحيادي” لم يرَ في الحشد الشعبي إلا “مليشيا”، ورفض حتى تسميته باسمه. بل صار يعتبر أي دفاع عن فصائل المقاومة هو انحياز “غير مهني”، بينما تمجيد إسرائيل يسمى “تحليلًا عسكريًا”.
🔸 تبييض صفحات العدو: المحللون “المحايدون” حين يتحدثون عن إسرائيل، يتناولونها كـ”دولة ديمقراطية”، ويخجلون من تسميتها كيانًا مغتصبًا، بينما لا يتورعون عن شيطنة إيران، ووصف حـ ءالله ـزب بالإر&ـاب، والمـ&ـاومة في اليمن بـ”الميليشيا”.
🔸 حين سقطت كابول: فرّ الأمريكان من أفغانستان كالفئران، فبرر الإعلام المحايد ذلك بأنه “انسحاب تكتيكي”، بينما لو انسحب فصيل مقاوم من حيّ تكتيكي، يسمونه “انهيارًا وانكسارًا”.
🔸 اليوم في حرب إيران – إسرائيل: حتى بعد أن قصفت إيران عمق فلسطين المحتلة، ونجحت بتغيير قواعد الاشتباك، سارع هؤلاء المحايدون للتشكيك، فقالوا “ضجيج بلا أثر”، و”لم نرَ صورًا تثبت الخسائر”، وكأن الإعلام العبري أصبح معيارًا للحقيقة!
هؤلاء لا ينتمون للعراق، وإن وُلدوا فيه، لأن من يبرر عدوان العدو لا ينتمي، ومن يشكك بتضحيات المقاومة لا ينتمي، ومن يسخر من دماء الشهداء لا ينتمي.
هؤلاء فقط ينتمون لجيوب مموليهم، ويأكلون من مائدة الذل، وينطقون بلسان الاحتلال، ويخدعون شعوبهم بإسم “الحياد”، بينما هم قنابل موقوتة داخل الوعي الجمعي.
فليعلم الجميع، أننا نعرفهم ونعرف نواياهم، وأن زمن التصديق العمياني قد ولى. نحن أبناء سبايكر، أبناء قاsم sليماني وأبو مـ&ـدي، أبناء الحشد، وأبناء الجنوب الذين يعرفون معنى الدم، ويفرزون العدو من رائحة كلماته، حتى وإن ادعى الحياد.
نحن لا نُخدع، لأننا نعرف أن الإعلام في زمن المعركة، إما سلاح في وجه العدو، أو خنجر في خاصرة الوطن.

ضياء ابو معارج الدراجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى