مليونية اليمن.. بين نداء الله وواجب القضية.
بقلم _ بشير ربيع الصانع
استجابةً لله تعالى، واتباعًا لنداء رسوله الكريم، وامتثالًا لتوجيهات السيد القائد، خرج شعب الإيمان والحكمة، لا طلبًا لمدحٍ ولا سعياً لثناء، بل جهادًا خالصًا في سبيل الله، وابتغاءً لرضوانه، ويقينًا راسخًا بأن سبيل الله هو سبيل الحرية والعزّة والكرامة. إنها استجابة صدق ويقين، لا يحدها تردد، ولا يعيقها خوف، لأنها قائمة على إيمان لا يتزلزل بأن هذه المسيرة لله، وفي سبيله، ولأجله وحده.
خرج اليمنيون نصرةً لإخوانهم في فلسطين، الذين ما برحوا يواجهون أقسى صنوف الظلم والاستكبار، يذوقون مرارة الحصار والقتل والتشريد، بينما العالم يغطّ في نوم طويل. لكن اليمن، الذي علّمه القرآن أن يقف مع المظلوم ولو كان في أقصى الأرض، لم يكن ليصمت، ولم يكن ليُشيح بوجهه عن دماء تُراق، وأعراض تُنتهك، وأرضٍ تُغتصب. إن نصرة فلسطين ليست ترفًا شعاريًا، بل هي واجبٌ دينيّ وأخلاقي، لا يؤديه إلا من تشرّب الإيمان، وتذوق حرارة الانتماء لرسالة الله.
وما خروجهم إلا موقف واضحٌ ضد الطغيان الأمريكي والعدوان الصهيوني، اللذين لم يكتفيا بنهب الأرض وقتل الأبرياء، بل سعيا إلى تمزيق أوصال الأمة، وإخماد صوتها، وسلب قرارها، وتحويلها إلى قطعٍ متناثرةٍ في يد المستكبرين. غير أن شعب اليمن لم يكن من أولئك الذين يُشترَون بالفتات، ولا ممن يلوذون بالصمت حين تُداس المقدسات، بل واجه الطغيان بموقف الحق، ووقف في وجه الاستكبار بصوت الإيمان.
وقد جاء هذا الخروج العظيم تأييدًا لموقف الجمهورية الإسلامية في إيران، التي لم تُساوم، ولم تتراجع، بل وقفت في صفوف المقاومة وقادت جبهة الوعي ضد المشروع الأمريكي الصهيوني، فكان تأييد اليمنيين لها انطلاقًا من مبدأ، لا مجاملة فيه ولا مصالح، تأييدًا لصوت وقف مع المظلوم، لا مع الجلاد، ومع الأمة، لا مع أعدائها، ومع القدس، لا مع من باعوها.
ولم يكن الحشد المليوني الذي خرج في الساحات نابعًا من انفعال مؤقت أو تحركٍ عابر، بل كان خروجًا مدروسًا، يعكس حرص هذا الشعب على عزته وكرامته، وتمسكه بهويته، ورفضه أن يُداس على كرامته أو تُهدد سيادته. لقد خرج دفاعًا عن نفسه قبل أن يُدافع عن غيره، خرج ليقول للعدو: لسنا لقمة سائغة، ولا صيدًا سهلاً، فنحن شعب لا يعرف الهزيمة، ولا يرضى بالذل، ولا يقبل أن يعيش على هامش الحياة.
وكان هذا الخروج بمثابة موقف مقدّس، لا تملّقه إعلام، ولا وجّهه ترهيب، بل وُلد من أعماق الإيمان، من دماء الشهداء، ومن صلوات الأمهات، ومن صرخات الأطفال، ومن آهات الجرحى، ومن سكون الجبال، ونور الجبهات. إنه موقفٌ يخطّ للعالم لوحةً نادرة، تقول لكل من يشاهدها: إن هذا الشعب لا يُخضعه حصار، ولا تُرعبه تهديدات، ولا تشتريه الأموال، لأنه محصّن بسياج الوعي، ومُسلّح بإرادة لا تُكسر.
وقد عبّر هذا الشعب في خروجه عن انتماء إيماني أصيل، لا ينفصل عن قضايا الأمة، بل يعيش همّها، ويتنفس وجعها، ويُدرك أن دين الله لا تقوم له قائمة في أرضٍ يحكمها الطغاة، ولا يُرفع له لواء في أمةٍ سكتت عن الحق. فكان الحضور تعبيرًا عن صدق الانتماء، وعن أن الدين ليس طقسًا يُمارس في المساجد فحسب، بل موقفًا يُترجم في الميادين، وصدقًا يُقاس في لحظات المواجهة.
وفي ذلك كله، رسم اليمنيون للعالم مشهدًا مهيبًا، أعلنوا فيه أن هذا الشعب لا يلين، ولا يستكين، ولا يتهرب من مسؤوليته، بل يواكب المرحلة بحكمة ويقظة، ويفهم طبيعة الصراع وأبعاده، ويعرف متى يتكلم، وكيف يتحرك، وأين يضع قدمه، ومتى يشهر صوته. إنه شعبٌ يتحرك بحسٍّ إيماني، لا عبثي، ويقرأ الواقع بعدسة الوعي، لا بشعاراتٍ خاوية. ولذلك سيظل صامدًا، مهابًا، عصيًّا على الكسر، ماضيًا في طريق الحق، لا ترده الصعاب، ولا تنحرف به العواصف، لأنه باختصار… شعبٌ وعد الله بنصره.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.