مرآة التاريخ

بقلم _ غيداء شمسان غوبر

في دهاليز التاريخ، حيث تتراكم السنون كطبقات الغبار على الحقائق، تتراءى لنا اليوم صور لا تخطئها عين البصيرة، تعيد رسم مشهد قديم بألوان الحاضر الدامي ما أشبه اليوم بالأمس، وما أقسى مرآة الزمن حين تظهر لنا تكرار المواقف، وتفضح ثبات القلة في وجه إرجاف الكثرة، وتعرّي زيف الانتماءات التي تهاوت أمام محك الشدائد.

ها هي إيران “الفارسية”، التي لم تقيدها حدود العرق أو لغة الدم، تقف اليوم شامخة كالجبل الأشم، تدافع عن فلسطين “العروبة” بكل ما أوتيت من قوة ويقين تواجه الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية بصدر عار، وتعلن أن القدس ليست للبيع، وأن المقاومة ليست خيارًا بل قدرًا.

في المقابل، يقف العرب (حكامًا وأنظمة وجيوشًا) في مشهد يدمي القلب، غارقين في انبطاح مخز وتطبيع مذل، يصافحون القاتل، ويحاصرون الضحية، ويقدمون الولاء لعدو لا يعرف إلا الغدر.

ولنتذكر، يا أصحاب الذاكرة، مشهدًا لا يقل قسوة ولا دلالة في غزوة الأحزاب، حين أحاطت قوى الكفر بالمدينة، وبلغت القلوب الحناجر، وارتعدت فرائص “العرب” الذين ظنوا بالله الظنون في تلك اللحظة الفارقة، حين تهاوت إرادة الكثيرين، وظهر النفاق في أبهى صوره، وقف الإمام علي عليه السلام، سيف الإسلام الذي لا يغمد، وروح النبوة التي لا تتزعزع، يواجه الأحزاب بشجاعة لا تضاهى، ويعلن أن الإيمان لا يعرف الخوف،والى جانبه، سلمان الفارسي، الذي لم يقده عرق أو نسب، بل إيمان راسخ، يقدم المشورة، ويشارك في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن الإسلام، ليثبت أن الولاء للدين أسمى من كل انتماء.

ما أشبه اليوم بالأمس! فالروح هي الروح، والموقف هو الموقف إيران “الفارسية” اليوم، كسلمان الفارسي بالأمس، تقدم الولاء الصادق لقضية هي قلب الإسلام، بينما يتراجع كثير من “العرب” عن واجبهم، ويقدمون الولاء لعدو لا يعرف إلا الغدر.

إنها ليست حرب أعراق أو مذاهب، بل هي حرب إيمان ويقين في وجه خوف وإرجاف خوف يرتعد منه الجبان، وإرجاف يصيب من ظن أن النجاة في الانبطاح.

يا لعار التاريخ الذي يسجل أن من يدافع عن عروبة فلسطين اليوم، هم من يصنفونهم بالفرس، بينما من يدعون العروبة، يصافحون القاتل ويطبعون مع من يسب النبي عليه الصلاة والسلام نفسه في كل عيد لهم.

أي نفاق هذا؟ أي غضب هذا الذي يستيقظ لصحابي (لم يتذكروه وقت الشاه)، ولكنه ينام عن دماء الأطفال في غزة، ويقدم الشماتة بدل النصرة؟ لا والله، لا ينكر الفضل إلا كافر جاحد، ولا يخفي الحقيقة إلا قلب أعمى.

في هذه الحرب الوجودية، إيران على حق ، وأعداؤها على باطل لقد كشفت هذه الأحداث عن حقيقة المواقف، وعرت زيف الادعاءات، لتصبح مرآة لا تخفي قبح الخذلان.

فليغضب من غضب، ولتحرقهم نار الحقيقة التي لا ترحم، ولتزلزلهم صرخات المظلومين فالتاريخ لن ينسى من نصر، ولن يغفر لمن خذل، ولن يرحم من صمت إن العاقبة للمتقين، وأن النصر قادم لمن اختار أن يكون مع الحق، لمن اختار أن يكون كعلي و سلمان، لا كمن زاغت أبصارهم وبلغت قلوبهم الحناجر.

#الحملةالدوليةلفك حصار مطارصنعاء
#اتحاد كاتبات اليمن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى