الهجرة النبوية: جهاد واجتهاد يمثل توجيه بوصلة الأمة من التحرير العقلي إلى فك أسر الأقصى

بقلم _  حسين بن محمد المهدي

عندما نودع عاماً هجرياً مليئاً بالأحداث، وقد كتب الله فيه لمن هجر المعاصي والشهوات، والأخلاق الذميمة والخطايا، وجاهد أعداء الإسلام من أجل إعلاء كلمة الله، ثواباً عظيماً. كما كُتِبَ للمهاجرين في صدر الإسلام، وتحدث عن فضلهم القرآن: (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).

وها نحن نستقبل عاماً جديداً يذكرنا بهجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

فاستنهض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن العقولَ، ووجَّه الأفهامَ، وأيقظ الحواسَ، ونبَّه المشاعرَ بالآيات الكونية والتشريعية.

وخاطب العقولَ والأفكارَ: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ)، (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).

فلم تُصْغِ قريشٌ -ومَن بلغته رسالة الإسلام- لآيات الله، بل ضلُّوا في طغيانهم؛ يعبدون من دون الله آلهةً شتى، من أحجارٍ منحوتةٍ وأخشابٍ منقوشةٍ. يَئِدُونَ البناتِ، ويأكلون الميتةَ، ويستحلون الربا والزنا، ويأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويعرضون عن الآيات البينات التي تدعوهم إلى التوحيد والاستقامة والصلاح. فهم لا يحكمون عقولَهم، وإنما يحكمون أهواءَهم.

ولما أدركوا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بيَّن فسادَهم وضلالَهم، وأنه سيحرر المجتمع من أصفاد الجاهلية وظلمها وضلالتها؛ اشتدوا عليه وعلى من أسلموا ظلماً وبغياً ومكراً: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

فأذِن اللهُ لرسوله بالهجرة وللمؤمنين من مكة إلى المدينة، فهاجروا.

وكانت الهجرةُ منطلقاً للإسلام، ومنطلقاً لحرية الفكر والعقل، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور. وإقامة دولة أساسها الإخاء، والتعاون على البر والتقوى.

لقد فتح الإسلامُ آفاقاً للحياة الكريمة، وانتقلت الأمة به من أمة الانطواء والجهل إلى أمة العلم والقيادة.
وكان جهاده وغزواته في بدر وحنين وغيرها من الغزوات التي أثمرت الفتوحات العظيمة، ودخل الناس في دين الله افواجا محطة عظة نستفيد منها في التخطيط والإعداد لنشر الإسلام، وتحرير الأقصى الشريف.

لقد كانت الهجرة النبوية محطةً لإنقاذ البشرية: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).

فقد نظم رسول الإسلام الصلات بين أبناء الأمة على أساس الفضيلة، توحيد الله، وعلى الكلمة الطيبة: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا).
وبذلك يمكن للأمة ان تضع آلية لمواجهة النظام العالمي الجديد؛
فقد جاء الرسول بفلسفة حكيمة؛ تتناول أدب السلوك الفردي والاجتماعي، ونظم العلاقة بين الفرد ومجتمعه، والمحكوم وحاكمه، والصديق وصديقه، والعدو وعدوه، والأجير ورئيسه، والجندي وقائده، والجار وجاره. على نحوٍ يمكن الإنسانَ من فهم الحياة، وإدراك ما يفيده في عبادته لربه، وإدراك ما يفيده في دنياه من خفايا وأسرارٍ؛ لا يعلم كنهها إلا من أعمل عقله وتدبر ما جاء في القرآن العظيم من فضائل إقامة العدل، والتمسك بالحق، والقول بالصدق، والحث على الاستقامة، والتحذير من الجور والظلم. وكل ذلك مطلوبٌ في تدبير سياسة الناس، وعمارة الأرض، وإصلاح المجتمع. فتوحيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أتباعه من المهاجرين والأنصار جعلت من التوحيد والتوحد قوة تؤسس لاقتفاء آثارهم

وهو ما يجعل الناس اليوم في أمس الحاجة إلى أخذ الدروس من هجرة النبي وجهاده واجتهاده، والعمل على تطبيق ذلك في الواقع العملي؛ ليتسنى للأمة الوحدةُ من خلال اقتفاء أثر النبي بعد الهجرة، وتمكنه من توحيد الامة بشكل اتاح نشر الإسلام بين الروم والفرس وغيرهم، حتى استظل بظل السلطة الإسلامية نصف العالم من المحيط الهادي إلى المحيط الاطلنطي في وقت وجيز، وكانت تلك الدول تنعم بالقانون الاسلامي، الأمر الذي يجعل الأمة وساستها مطالبة بالارتقاء في عصرنا الحاضر إلى ريادة العالم، ونشر خير الإسلام بين الامم كلها، حتى تنعم به، فإن من يحاربون الإسلام غالبهم يجهلون حقائقه، وأنه يدعم حرية الإنسان، ولا يعطل قواه الفكرية والعقلية، بل ينهج للنوع البشري طريقا مستبيناً وصراطاً مستقيما، لئلا يظل فيقع في مهاوي الحياة، فيضع قوته في طريق الباطل كما هو حال الصهيونية اليهودية، وذلك بالفعل مما يؤخذ الدروس منه في إنقاذُ الشعب الفلسطيني المسلم، فكما حررت الهجرة مكة من الظلم وعبادة الاوثان، فالأمر يتطلب منا الوحدة والقوة والتخطيط والجهاد لتحرير الأقصى الشريف: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى