إيران… في ختام الحرب، كتبت بالنار الكلمة الأخيرة

بقلم _ بشير ربيع الصانع

لم تكن موجات الصواريخ الست التي دوّت في سماء الشرق مجرد ردٍّ عابر، ولا حادثًا منفصلًا كما أرادت الدعاية الغربية أن تصوّر… بل كانت الخاتمة الصلبة لحربٍ حقيقية دامت اثني عشر يومًا، بدأها الكيان الصهيوني بعدوان جبان على إيران، فانتهت بضرباتٍ ناريةٍ أحكمت بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية إغلاق المشهد على طريقتها، وكتبت النهاية كما تشاء، لا كما يُراد لها.

لقد ظنّ الكيان أنه قادر على المناورة، فباغت بعمليات استهداف سرّية وعدوانية طالت شخصيات إيرانية ومواقع محددة، لكنه لم يدرك أن ما بدأه بالنار لن يُختتم بالكلمات. فبعد سلسلة من الضربات المؤلمة التي أرهقته وأفقدته توازنه طوال أيام المواجهة، جاءت الموجات الصاروخية الست التي أطلقتها طهران في اللحظات الأخيرة، قبيل دخول وقت الهدنة، كإمضاء صريح على النصر، ورسالة جازمة بأن اليد العليا لم تكن يومًا في تل أبيب، ولن تكون.

ستّ موجات، كلٌّ منها تحمل مضمونًا مختلفًا: بعضُها للثأر، وبعضُها للتأديب، وبعضُها للردع، وكلّها كانت بمثابة رسالة سياسية وعقائدية وعسكرية: أن من يعتدي على إيران، لن يخرج سالمًا، وأن الجمهورية الإسلامية لا تعرف سياسة “امتصاص الضربات”، بل تُحسن الرد متى شاءت، وكيف شاءت، وبالأسلوب الذي يجعل العدو يعيد حساباته لعقودٍ قادمة.

ولأن الحرب لم تكن إعلامية، بل ميدانية بكل تفاصيلها، فإن الرد لم يكن تصريحًا صحفيًا، بل صياغة استراتيجية بمفردات الصواريخ، ومفاهيم القوة، ومنطق الحسم. وهكذا تحوّل المشهد: من كيانٍ بدأ العدوان ليُظهر أنه لا يزال حاضرًا في معادلة الردع، إلى كيانٍ يرتجف تحت الضربات الأخيرة، يتوسّل الوسطاء، ويحسب الثواني قبل دخول وقت الهدنة.

أما إيران، فقد كتبت كلمتها بصمتٍ هائل، وثقةٍ ثابتة، وبقرارٍ سياديٍّ لا يتأثر بصراخ الإعلام ولا بتهديد البنتاغون. لم تكن تبحث عن استعراض، بل عن تثبيت معادلة جديدة: أن حدودها ليست عند جغرافيتها، وأن المساس بمصالحها أو حلفائها سيُقابل دائمًا بردٍّ مزلزل.

لقد انتصرت إيران، لا لأنها أمطرت قواعد العدو بصواريخها فحسب، بل لأنها أنهت حربًا بدأت بها إسرائيل، وفرضت نهايتها على طريقتها، وانتزعت الكلمة الأخيرة عنوة، وسجّلت في كتاب الصراع سطرًا لا يُمحى: من يبدأ مع طهران معركة، لا يملك وحده خيار النهاية.

وسيجعل الله على يديها والمحور المقاوم النصر المبين، والفتح العظيم، لا لأن العتاد أكثر، بل لأن النية أصدق، والوجهة أوضح، والعقيدة أنقى، والحق ظاهرٌ لا يخبو. وما دام القوم على العهد، صادقين، رافضين أن يطبعوا مع الجلاد، فإن الله لن يخذلهم، ولن يطول ليلهم.

وسلام الله على الإمام الخامنئي، الذي قاد هذه المرحلة لا بارتباك، بل بصبر وثقة ونظرة بعيدة المدى، فكان كما هو دائمًا: رجلُ المراحل الفاصلة، وصانعُ ملامح الفجر في زمن التيه.

هو من لم يساوم في أصل القضية، ولم يهادن، ولم يُجامل، بل لقّن الصهاينة والأمريكان درسًا من صبر الكبار، وحكمة القادة، وصلابة الثوار. فليُسجّل التاريخ: أن الكلمة الأخيرة كانت له، وأن القرار حين يُصنع في طهران، لا يُملى من الخارج، بل يُملى على العالم.

وفي المقابل، تتوالى الخيبات على حكّامٍ عربٍ راهنوا على إسرائيل، وفرحوا لعدوانها، وظنّوا أن الجمهورية الإسلامية سترتجف، فإذا بهم اليوم يتوارون خلف مواقف ضبابية، عاجزين عن التصفيق للمنتصر أو حتى إدانة المهزوم.

لقد انكشفوا، لا لأنهم صمتوا، بل لأنهم كانوا في الخندق الآخر منذ البداية. صمتهم كان خيانة، وتواطؤهم كان فضيحة، والتاريخ لن ينسى كيف وقفوا عند كل مفترق معادين لمحور المقاومة، ومناصرين للباطل كلما احتدم الموقف.

وها نحن اليوم نهنئ محور المقاومة بأكمله، لا لأنه نجا من الضربة، بل لأنه انتصر في جولة عنوانها: من يبدأ الحرب لا يضمن مآلاتها… نهنئه لأنه أثبت أن خنادق المقاومة واحدة، وأن الدم لا يُقسم، وأن المعركة ليست معركة إيران وحدها، بل معركة الأمة كلّها.

فمن بيروت، إلى بغداد، إلى دمشق، إلى غزة، إلى صنعاء، إلى طهران… خطٌ واحد، لا ينكسر، يتبادل الرسائل بالصبر والنار، ويعيد للعرب وللإسلام موقعهم في معادلة الأرض والكرامة.

وليس آخر ما يُقال، بل أوّله: لقد انتهت الحرب، لكن المعادلة الجديدة بدأت… ومن الآن، الكيان سيحسب حساب الضربة، لأن من تلقّى الموجة الأخيرة، لن ينسى طعمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى