تركيا تخنق العراق مائياً وسط إجراءات حكومية خجولة

كنوز ميديا – تقارير

تشهد البصرة خصوصاً، والمحافظات الجنوبية بشكل عام، تصاعداً خطيراً في ملوحة مياه الشرب والري، بالتزامن مع انخفاض حاد في كميات المياه العذبة المتدفقة من نهري دجلة والفرات، نتيجة للإجراءات التركية المتعلقة ببناء السدود وتقنين الإطلاقات المائية.

وبحسب دائرة الموارد المائية، فإن نسبة الملوحة في قضاء الفاو وصلت إلى أكثر من 30،000 جزء في المليون، فيما سجل مركز محافظة البصرة قرابة 19،000 جزء في المليون، وهي نسب تفوق بعشرات الأضعاف، الحد المقبول عالميًا والذي لا يتجاوز 1،000 جزء في المليون.

المسؤولون في مديرية ماء البصرة أكدوا، أن سبب هذا التدهور يعود إلى تراجع الإطلاقات القادمة من تركيا عبر نهر دجلة، حيث انخفضت إلى أقل من 40% من الحصة المتفق عليها سابقًا، وهو ما سمح بتوغل اللسان الملحي القادم من مياه الخليج عبر شط العرب إلى أعماق المدينة.

وتسبب ذلك في تضرر أكثر من نصف الأراضي الزراعية بالأقضية الجنوبية، ونفوق آلاف الأسماك والحيوانات، وتفاقم معاناة السكان في الحصول على مياه صالحة للشرب، خصوصا في مناطق السيبة وأبي الخصيب والهارثة.

وفي هذا السياق، أكد قسم الصحة العامة في البصرة، أن الملوحة الحالية للمياه تنذر بأزمات صحية خطيرة، أبرزها احتمالية تفشي أمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد، نتيجة استخدام مياه غير صالحة للاستهلاك البشري، مشيرا الى ان نسبة التلوث والملوحة في منطقة سيحان بلغت ارتفاعات خطيرة، محذراً من فقدان السيطرة على نوعية المياه، ما لم ترفع الإطلاقات المائية بشكل فوري من تركيا.

وقد طالبت الحكومة المحلية في البصرة بضرورة تدخل الحكومة المركزية لتفعيل الاتفاقيات الدولية مع تركيا، وضمان تدفق حصة العراق المائية الكاملة، إلى جانب الإسراع بإنشاء محطات تحلية إضافية، خصوصًا بعد أن أثبتت المحطات الحالية عدم كفايتها وتعد حلولاً وقتية لا تفي بالغرض، ما لم تحل الأزمة السياسية المائية مع الجانب التركي، محملة الحكومة التدهور الحاصل في مناطق الجنوب، نتيجة لصمتها إزاء التجاوزات التركية التي تنتهج سياسة التعطيش بحق الشعب العراقي، لافتة الى ان هذه السياسة أشبه بإعلان حرب المياه.

ويقدر عدد سكان محافظة البصرة بأكثر من 3 ملايين نسمة، يعتمدون بشكل رئيسٍ على شط العرب في مياه الشرب والزراعة، ما يجعل الأزمة المائية تهديداً مباشراً لحياتهم ومعيشتهم اليومية.

فيما طالب نواب البصرة بالرد على الجانب التركي اقتصادياً من خلال مقاطعة بضائعها التي تقدر بملايين الدولارات سنويا من خلال تجارتها مع العراق، بالإضافة الى مقاطعة شركاتها التي لديها مساهمة كبيرة في بناء المجمعات السكنية والمستشفيات داخل البلاد، مؤكدين: ان الحلول الدبلوماسية الخجولة من قبل الحكومة العراقية، لن تنفع مع أردوغان وسياسته التوسعية.

وفي إطار هذا الموضوع، أكد النائب جواد الياسري ان “الوضع المائي في العراق حرج جداً بسبب انتشار نسبة الملوحة في شط العرب والجفاف الذي تسبب بتصحر المناطق الزراعية في المحافظات الجنوبية”، مبينا: ان “الاطلاقات المائية من قبل الجانب التركي غير كافية والبلاد تحتاج الى اطلاقات إضافية على وفق الاتفاقيات التي أعلنتها الدول المتشاطئة.”

ودعا الياسري الى “عقد جلسة برلمانية طارئة لتدارك الوضع الخطير الذي يمر به العراق، جراء قلة الاطلاقات المائية وتعرّض أغلب أراضيه الى التصحر، لافتا الى ان استمرار هذا الوضع سيؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وعلى محاصيلهم الزراعية في المستقبل القريب”.

ويجمع خبراء البيئة على أن الحل الجذري لأزمة الملوحة يكمن في فرض التزام تركيا باتفاق تقاسم المياه، وتوسيع مشاريع تحلية المياه، إضافة إلى بناء سد على شط العرب، لمنع تمدد اللسان الملحي مستقبلًا.

وفي ظل غياب الحلول الاستراتيجية، تبقى البصرة والمحافظات الجنوبية، مدناً محاصرة بالماء المالح، وتعيش واحدة من أخطر أزماتها البيئية والصحية في تأريخها الحديث.س222

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى