لماذا لن يسقط النظام؟ لأنه أقوى من الضجيج وأعمق من الشعارات
بقلم _ ضياء أبو معارج الدراجي
منذ أكثر من عقدين، تتكرر على ألسنة بعض السياسيين، وناشطي وسائل التواصل، والمهمّشين في الشارع، عبارة واحدة لا تكلّ ولا تملّ:
“النظام الحالي لن يستمر”.
قيلت أيام بريمر، ثم مع حكومة علاوي، فحكومة الجعفري، وبلغت ذروتها في عهد المالكي إبان اجتياح تنظيم داعش، ثم تجددت مع العبادي، وتكررت بشكل أكثر ضجيجًا في زمن عبد المهدي وتنصيب الكاظمي بدلا عنه، وها هي اليوم تعود مع حكومة محمد شياع السوداني.
لكن المتتبع بدقة لهذه الظاهرة الخطابية، يجد أنها لا تعبّر عن واقع سياسي عقلاني، بقدر ما تعكس خيبة وخسارة بعض الأطراف التي فقدت شعبيتها بعد أن سقطت أقنعتها، أو تقزّمت أدوارها، فوجدت في مهاجمة النظام وسيلة لتصوير نفسها كـ”منقذ غائب” أو “بديل محتمل”، رغم أنها كانت بالأمس من أركانه.
الدولة العراقية التي نشأت بعد 2003 ليست مثالية، ولم تدّعِ الكمال. لكن من المهم الإقرار بأنها صمدت في وجه زلازل أمنية وسياسية كبرى: احتلال، إرهاب، فتنة طائفية، تظاهرات، فساد، وتدخلات خارجية.
ورغم ذلك، لم تسقط مؤسسات الدولة، بل تطورت تدريجيًا:
١- التداول السلمي للسلطة أصبح ثابتًا.
2-الدستور هو المرجعية العليا، لا الانقلابات.
3-البرلمان ينتخب الحكومة، وليس العسكر.
4-الانتخابات، رغم مشاكلها، تبقى الأداة الوحيدة لتغيير الحكم.
هذا هو “النظام” الذي يهاجمه البعض، ليس لأنه ظالم أو دموي، بل لأنه ببساطة رفض أن يتحول إلى ملكية أو دكتاتورية أو غابة سياسية بلا بوابات.
المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، ومنذ تأسيس النظام الجديد، كانت الداعم الأول لإرساء مبدأ الدولة الدستورية والتداول السلمي للسلطة.
وقد أكدت في أكثر من مناسبة أن:
“الرجوع إلى الأنظمة القمعية أو الوراثية مرفوض كليًا، ولا طريق للإصلاح إلا من داخل النظام، عبر الانتخاب ووعي الشعب”.
هذا الموقف لم يكن سياسيًا، بل دينيًا ووطنيًا. المرجعية تنظر إلى النظام كإطار عام يجب أن يُصلح، لا أن يُحطم، لأنه – ببساطة – لا يوجد بديل مقبول في ظل واقع إقليمي ملتهب وتجارب مريرة لدى دول الجوار.
الذي يتهاوى اليوم، ليس النظام، بل الخطابات الشعبوية المكررة، والشخصيات التي احترقت أوراقها ولم تجد موطئ قدم في خارطة التأثير. فاختارت الصراخ على النظام كآخر وسيلة لإثبات وجودها.
أما الدولة، فتسير بخطى ثابتة نحو مزيد من الاستقرار، والتجربة السياسية، رغم ما فيها من تعثرات، أصبحت أكثر نضجًا.
السؤال لم يعد: “هل سيسقط النظام؟”
بل الأصح أن نسأل:
“متى يسقط وهم إسقاط النظام؟”
فالدولة العراقية اليوم لم تعد هشّة كما كانت في البدايات، بل صارت صلبة بفضل المؤسسات، الوعي الشعبي، موقف المرجعية، وتجارب السنوات. وما علينا اليوم إلا أن ندافع عن هذا الإطار السياسي والدستوري، ونسعى إلى إصلاحه من الداخل، لا إلى هدمه على رؤوس الجميع.
ضياء ابو معارج الدراجي