مظلومية آل الجنيد وآل الرميمة وآل الأمير… صرخة الحسين في وجه الطغاة الجدد.
بقلم _ عدنان عبدالله الجنيد
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾
“السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين وأحباب الحسين.”
في زمنٍ يتهاوى فيه العدل، وتُنتزع الحقوق غصبًا، وتُداس كرامة الإنسان بقدم الطغيان، تأبى أرواحٌ أبيةٌ إلا أن تكون مناراتٍ للحق، وصرخاتٍ مدويةً في وجه الباطل.
إنها مظلوميةُ آل الجنيد وآل الرميمة وآل الأمير، ليست مجرد قصصٍ تتناقلها الألسن، بل هي صدىً لصرخةٍ أزليةٍ تردد صداها عبر القرون: صرخةُ الحسين في وجه الطغاة الجدد!
لقد تجرّع آل الجنيد وآل الرميمة وآل الأمير مرارة الظلم، وتجرّعوا غصص القهر، وشهدوا بأعينهم كيف تُنتهك الحرمات وتُصادر الحريات.
كُتبت فصول معاناتهم بدماءٍ طاهرةٍ، وسُطرت تفاصيل آلامهم بدموعٍ حارقةٍ، لتُشكّل لوحةً داميةً تُعرض على مرأى ومسمع التاريخ، شاهدةً على جبروت المتسلطين وغدر الخائنين.
إنها حكايا تُروى من قلب تعز الصامدة، من “ساحة الوجود” التي أراد لها التحالف الصهيوأمريكي وأدواته من مرتزقة حزب الإصلاح والقاعدة والدواعش أن تكون مسرحًا للخراب وموطنًا للنكبة.
لقد استُهدفت هذه الأسر المؤيدة للمشروع النهضوي القرآني الذي يقوده السيد المجاهد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، بكل وحشيةٍ وهمجية.
لم تكن الجرائم التي ارتُكبت ضدهم سوى فصول متكرّرة من الطفّ الحسيني، في عصرٍ تماهى فيه يزيدُ مع بن سلمان، وتحوّلت الطائرات إلى خناجر، والمدافع إلى سيوفٍ ظالمة.
في صراري تعز، ذُبح آل الجنيد، وسُحلت جثثهم، وأُحرقت منازلهم، ونُبشت قبور أجدادهم كما نُبش قبر حجر بن عدي.
وفي مديرية مشرعة وحدنان، أُبيد آل الرميمة كما أُبيد أهل البيت في كربلاء.
أُزهقت الأرواح، ومُثّل بالجثث، وسُبيت النساء، ونُكّلت الطفولة، وارتُكبت كل فظائع يزيد العصر، بلا أدنى حياء أو وازع من دين أو شرف.
لقد تجلّى الإرهاب الأعمى في قرية المنارة، حين أُطلق الرصاص على الأطفال والنساء، وقُتل الشهيد وائل الرميمة وشوقي ووداد، وارتكبت مجازر دموية في منازل الرميمة بالعقمة، حتى أُحرق التراب من هول ما جرى.
وفي صبر المسراخ، استهدفت الغارات أسرة الجابري، وفي الجحملية والصرمين، سُحلت الجثث، وأُحرقت المكتبات، وتفجّرت المساجد، وتحوّلت الأضرحة إلى رماد.
ولم تسلم حتى مدينة تعز، فقد استُهدفت بيوتها وأعلامها، كمحاولة اغتيال مفتي المحافظة السيد سهل بن إبراهيم عقيل، الذي شُرّد وأُحرقت مكتبته التي كانت مرجعًا للأمة، فقط لأنه قال “لا” للوصاية والعمالة.
وفي خضم هذه المأساة، وفي وجه هذا الإجرام الممنهج، ووسط صمتٍ دوليٍّ مشين، جاء المؤتمر الدولي الذي عقده ملتقى كتاب العرب والأحرار بالتعاون مع الحملة الدولية لكسر الحصار عن مطار صنعاء الدولي، والأصدقاء الاستراتيجيين، بعنوان:
“مظلومية السادة آل الجنيد أشبه بكربلاء المقدسة”
ليكون أول اعترافٍ دوليٍّ مكتوب، وشهادةً أمميةً تُدوَّن في سجل التاريخ، عن جرائم التطهير العرقي التي ارتكبتها أدوات العدوان في تعز.
لقد مثّل المؤتمر وقفةً إنسانيةً حقيقيةً، ومرافعةً بلغة الحق، تُعلن أنّ كربلاء تتكرّر، وأن المذابح الطائفية بحق الأسر الهاشمية في اليمن ليست شأنًا محليًّا بل جريمة ضد الإنسانية.
إنّ هذا المؤتمر صاغَ من وجع المظلومية صرخةً مدويةً، وأعاد فتح ملفٍ أراد له المتآمرون أن يُدفن، وأثبت للعالم أن دماء السادة في اليمن اليوم، إنما هي امتداد لدماء السبط الشهيد في كربلاء.
وها نحن اليوم، في زمن ارتقاء الوعي وثبات الدماء، نُدرك أن لكل مظلومية ثمرة، ولكل دمٍ منتصر راية.
فكما كانت مظلومية كربلاء نبراسًا أنارَ طريق الثورة الإسلامية في إيران، وصحّحت بها المسار، وأطاحت بشاه العمالة والعماليق، كذلك كانت مظلومية آل الجنيد وآل الرميمة وآل الأمير وقودًا استراتيجياً لمعركة البحر، وسيفًا في خاصرة العدو الصهيوني.
فأُغلِقَ بابُ المندب، وحُظرَ مرورُ سفنه، وضُربت مواقعه الحيوية، ليُعلَن للعالم: أن المظلوم حين يثأر، يتحوّل من ضحية إلى قائد معركة، وأن الدم يعلو على السيف، حين يكون في كفّ الحسين، أو في جبهة أحفاده من يمن الإيمان والحكمة.
نعم، هنا تنتصرُ المظلومية بالثبات، وينتصرُ الدمُ على السيف، ويُولدُ من رُكام الألم وعدُ النصر، وتُسطّر كربلاءُ جديدةٌ بمدادِ الصبر والولاء والدم الطهور.
وعندما شنّ العدوُ الصهيونيُّ هجومه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هبّ مرتزقةُ الصهاينة في جبل صبر من بقايا السبئيين لإشعال التناصير في مجمع جمال الدين بقرية الصراري، فرحين بانتصارات اليهود، وكأنهم قد عادوا إلى أصلهم الأول، وتجرّدوا من كلّ وشيجةٍ عربيةٍ أو دينية، واحتفلوا – دون خجل – وكأنّ تل أبيب عاصمتهم، ونتنياهو قائدهم الأعلى.
لقد أرادوا، بذلك الفعل الشنيع، أن يُوصلوا رسالة خيانة واضحة: بأنّ هذا المجمع الذي كان منارةً للمشروع القرآني الثوري النهضوي الذي يقوده السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، قد سقط بأيديهم، وتحول إلى مركزٍ استخباراتيٍّ تابعٍ للاستكبار العالمي وتل أبيب، ولكن هيهات لهم ذلك.
فالمجمع الذي أضاء ليلَ تعز بنور القرآن، لا يُطفئه دخان الحقد، ولا تنالُ منه نيران التناصير.
لم يتحقق هدفهم المشؤوم، لا بإشعال التناصير، ولا بالتهجير القسري، ولا بالجرائم الإباحية التي ارتكبوها بلا خجل.
سقطوا في مستنقع الخيانة، وتحوّلوا إلى أدوات مهينةٍ مذلّة، تدور في فلك الشيطان الأكبر، وتنهشُ عرض اليمن من خاصرته الجنوبية.
لكنّ تعزَ لم تركع، والمشروعُ القرآنيُّ لم ينكسر، والمجمعُ لم يمت، بل بقيت روحه في صدور المجاهدين، تُلهب الجبهات، وتُوقظُ الضمائر.
وبقيت الصراري عنوانًا للثبات، ومحرقةً لكل من تجرّأ على دماء السادة الأطهار.
وهكذا، تستمرّ كربلاء في تعز، ويستمرّ الحسين في وجدان اليمن، وتستمرّ الصرخة الحسينية في دكّ عروش الطغاة… من تعز حتى فلسطين .
وإننا، في ختام هذه المقالة، لا يسعنا إلا أن نتقدّمَ بجزيل الشكر وعظيم التقدير للعميد المناضل حميد عبدالقادر عنتر، رئيس الحملة الدولية لكسر الحصار عن مطار صنعاء الدولي، مستشار رئيس مجلس الوزراء اليمني، على اهتمامه البليغ بهذه المظلوميات، وحرصه النبيل على إيصالها إلى العالم عبر المؤتمرات الدولية والمنصات الحقوقية والإعلامية.
لم يكن جهده مجرّد مشاركة شكلية، بل كان فعلاً ميدانيًّا حيًّا، وصوتًا صارخًا في برية الصمت العالمي.
لقد أبقى هذه المظلوميات – وفي طليعتها مظلومية آل الجنيد وآل الرميمة وآل الأمير – منارات نصرٍ ورايات ثبات، تُضيء طريق الوعي، خاصة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).
وها هو العميد عنتر، لا يزال يحملها في مقدّماته الإعلامية والفكرية، ويتواصل مع أحرار العالم وكتّاب الضمير لكتابة فصولها وربطها بمظلومية كربلاء، لا سيّما مظلومية الطف الحُسيني، ليكون الدمُ اليمنيُّ شاهدًا جديدًا في سجل عاشوراء الخالد.