الإعلام .. بين الوعي والتضليل
بقلم _ قاسم الغراوي
رئيس مركز انكيدو للدراسات
في زمن تتسارع فيه وتيرة الأحداث وتتكدّس فيه المعلومات، لم يعد السؤال الأهم: ماذا نُشر؟، بل: ما مدى صحّته؟ ومن يقف خلفه؟
نعيش اليوم في عصر الإعلام المفتوح، حيث لم يعد الخبر حكرًا على الصحفي المحترف، بل صار بيد كل من يملك هاتفًا ذكيًا. وبينما يُفترض أن تُسهم هذه الثورة في تعميم الوعي، إلا أنها في كثير من الأحيان تحوّلت إلى ساحة تعجّ بالشائعات (Rumors)، والأخبار المزيفة (Fake News)، والصحافة الصفراء (Yellow Journalism).
كان الإعلام يُنظر إليه قديمًا باعتباره “سلطة رابعة”، مهمته كشف الحقيقة، ومساءلة السلطة، وبناء وعي جماهيري ناضج. لكننا اليوم نواجه تحديًا كبيرًا حيث تحوّل الإعلام في كثير من الأحيان إلى مجرد صدى لترندات زائفة، أو إلى وسيلة لتحقيق الأرباح عبر إثارة الفضائح وتهويل الوقائع، دون مراعاة لقيم المهنة أو لسلامة المجتمع.
تتحرك غرف الأخبار ووسائل التواصل غالبًا خلف ما “يحقق التفاعل”، لا ما يضيء الحقيقة. في عالم السرعة، “اللايك” صار أحيانًا أكثر قيمة من المعلومة الدقيقة. وهنا تكمن الخطورة حيث القصص الملفّقة تنتشر أسرع من الحقائق، والمحتوى العاطفي أو الصادم يجذب المشاهد حتى وإن كان كاذبًا. وبالتالي، تتحول منصات الإعلام الرقمي أحيانًا إلى أدوات تضليل ممنهج.
كيف تنتشر الشائعة؟
الشائعة تمر عادة بثلاث مراحل:
1- الإنشاء : حيث تُصاغ بطريقة ذكية وجذّابة، مع عنوان مثير أو معلومة غير مؤكدة.
2- الانتشار : يتم تناقلها على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي.
3- التمكين : تصبح الشائعة “حقيقة مزعومة” يقتنع بها الناس، بل ويدافعون عنها أحيانًا.
اما الصحافة الصفراء فهي تركز على العناوين المثيرة والتضخيم، ولا تهتم بالدقة أو المهنية. هدفها الأول هو جلب المتابعين، لا إبلاغهم. هذا النوع من الصحافة يُعتبر خطرًا لأنه لا يكتفي بنشر المعلومات المغلوطة، بل يساهم في تشكيل وعي زائف يُخدّر العقول بدلًا من تنويرها.
اما دور الإعلام الحقيقي فهو أن يسأل ويتحقق ويكشف ولا يكتفي بالنقل، بل يسأل:
-من المصدر؟
-هل تم التحقق من الخبر؟
-ما الدوافع خلف هذا التسريب أو التوقيت؟
-من المستفيد من انتشار هذا المحتوى؟
الإعلام الناضج لا ينخدع بالـ”viral”، بل يتحرى المعلومة، ويضع سلامة الرأي العام
ففي عصر الشاشات، كل فرد أصبح صحفيًا محتملًا. ومن هنا تزداد المسؤولية:
-لا تشارك أي خبر قبل التحقق منه .
-استخدم أدوات التحقق والرصد .
-تابع المؤسسات الإعلامية الرصينة، وتجنب المصادر المجهولة أو المتطرفة ،واسأل نفسك دائمًا: “هل هذا الخبر يخدم الحقيقة أم يخدعني؟”.
نحن لا نعاني فقط من أزمة معلومات، بل من أزمة وعي بالمعلومة. ومن هنا فإن المعركة ضد الشائعات لا تُخاض فقط في غرف الأخبار، بل في كل هاتف محمول، وكل حساب على وسائل التواصل.
إذا أردنا إعلامًا يُبني ولا يهدم، ويضيء ولا يضلل، فعلينا جميعًا أن نكون جزءًا من الحل… لا أدوات في يد التضليل.
https://t.me/+dshAlnqux-llYjUy