تصارع الماء المالح من اجل الحياة والوحش الملحي يواصل زحفة باتجاه البصرة

بقلم _ قاسم الغراوي
رئيس مركز انكيدو للدراسات

في تحذير شديد اللهجة صدر عن مرصد اليمن الأخضر في يونيو 2025، أُعلن أن نسب ملوحة المياه في شط العرب بمحافظة البصرة ارتفعت إلى مستويات “كارثية”، حيث تجاوزت في مناطق مثل أبي الخصيب وسيحان 14,000 جزءًا في المليون (TDS)، وهو رقم يقترب من نصف ملوحة مياه البحر . هذه الأرقام تعيد إلى الأذهان مأساة عام 2018، حين أدّت ملوحة المياه وتلوثها إلى إدخال أكثر من 118,000 مصاب إلى المستشفيات نتيجة تسمماتهم وحالات الإسهال الحاد والتهاب الجهاز الهضمي.

حجم المشكلة :
نسبة الملوحة: سجّل مرصد “العراق الأخضر” (مرصود من قبل شفق نيوز) أن متوسط تركيز الأملاح في شط العرب وصل في أبي الخصيب وسيحان إلى 14,000 TDS، مع توقعات بوصولها إلى 30,000 TDS في مركز مدينة البصرة، أي ما يعادل نصف ملوحة مياه البحر .

المعايير الصحية:
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يجب ألّا تتجاوز قيمة TDS في مياه الشرب 1,000 جزء في المليون، لأن الارتفاع فوق ذلك يسبب طعمًا مالحًا مزعجًا ويؤثر سلبًا على الصحة العامة، خصوصًا الكلى والجهاز الهضمي.

الأسباب الرئيسية :
1- تراجع التدفقات النهرية حيث بلغ انخفاض حصص العراق من مياه دجلة والفرات نحو 80% منذ السبعينيات بسبب بناء السدود في تركيا وإيران، ولا سيما سد إليسو الذي يُتوقع أن يقلّل تدفق نهر دجلة بنحو 25% بحلول 2025 .
أثر جفاف موسمي وشح الأمطار في حوضي نهري دجلة والفرات بسبب تغيّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة التي سجلت هذا الصيف أكثر من 53 درجة مئوية في بعض المناطق.
2- التلوث الصناعي ومياه الصرف تُصَبّ ملايين الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي والصناعي دون معالجة كافية في الأنهار، مما يرفع تركيز الأملاح والمعادن الثقيلة، ويهدّد الأمن الصحي والبيئي.
غياب الرقابة على شركات منح التراخيص للتنقيب والحفر العشوائي للآبار الجوفية التي تستنزف المياه العذبة وتسمح بتغلغل مياه الخليج المالحة نحو الداخل.

التداعيات الاجتماعية والاقتصادية :
– أزمة مياه الشرب: يضطر أهالي البصرة إلى شراء المياه المعبأة أو التوزيع عبر الصهاريج، ما يزيد الأعباء المالية على الأسر الفقيرة.
-تهجير قسري: اضطر أكثر من 3,000 مزارع في قضاء الزبير للهجرة والبحث عن موارد مائية بديلة، بعد أن أتت الملوحة على 90% من الأراضي الزراعية وأدّت إلى خسائر فادحة تزيد قيمتها على 4 ملايين دينار للمزارع الواحد هذا الموسم
-مخاطر صحية: ارتفاع معدلات أمراض الكلى والضغط نتيجة استهلاك مياه عالية الملوحة، إضافةً إلى تزايد الأمراض الجرثومية والطفيليات بسبب خلط مياه الصرف مع مياه الشرب.

الجهود الحكومية والدولية :
1- المفاوضات مع دول الجوار
دعا الخبراء إلى استئناف مفاوضات جدية مع تركيا وإيران لضبط حصص المياه وفتح السدود، خصوصًا بعد تعثّر الاتفاقيات السابقة وتراجع الالتزام ببنودها.
2- بناء محطات تحلية ومحطات معالجة تخلّفت الحكومة عن مشاريع التحلية والصرف الصحي الموعودة، ما دفع المنظمات المحلية للمطالبة بتنفيذ فوري لتلك الوعود وضخ الاستثمارات في قطاع التحلية.
3- تشديد الرقابة البيئية ضرورة فرض عقوبات قاسية على المخالفين من شركات وشخصيات استحوذت على كميات مياه كبيرة، فضلاً عن تفعيل دور مديرية ماء البصرة في رصد جودة المياه شهريًا.

توصيات للمستقبل :
1- استراتيجية مستدامة لإدارة الموارد المائية تشمل تحديث البنى التحتية، وإعادة تأهيل القنوات النهرية، وترشيد استهلاك المياه في القطاعين الزراعي والصناعي.
2- الاتفاق على ميثاق مائي إقليمي يضمن حصصًا عادلة للعراق، مع آليات تحكيم دولية تقيد بناء السدود الجديدة وتضمن الإفصاح عن بيانات التدفق.
3-تعزيز قدرات التحلية محليًا عبر شراكات مع القطاع الخاص ومنظمات الأمم المتحدة لتقليل الاعتماد على مياه الأنهار وحدها، خاصة في المدن الساحلية كالبصرة.

ما يحدث في شط العرب اليوم ليس مجرد ارتفاع في نسب الملوحة، بل هو إنذار حقيقي لمستقبل يزيد فيه المعاناة البيئية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، إذا لم تتخذ السلطات العراقية إجراءات عاجلة وعملية بتنفيذ الاتفاقيات المائية وبناء المحطات والتحلية المحورية، علاوةً على فرض رقابة صارمة على التلوث. وإلّا فإن “الوحش الملحي” سيواصل زحفَه ليجعل من البصرة مدينة أشباح تصارع الماء المالح تجاه الحياة.
1/7/2025
https://t.me/+dshAlnqux-llYjUy

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى