الـــجــــزء الــثــالـــث الإمام الحسين عليه السلام في رحلته العاشورائية

بقلم _  شاعرة الصمود / وفيه العمري

جمع الحسين عليه السلام آل بيته وشيعته وأصحابه ممن أحبوا الخروج معه
وارتحل عن أم القرى وودع الكعبة ومهبط الوحي
الوداع الأخير وطاف الطواف الأخير كان خروجه في يوم التروية يوم الثلاثاء الموافق ( 8 ذي الحجة سنة 60 هجرية
عندما علم عبدالله بن عمر بخروج الحسين خرج مسرعا خلفه وعندما أدركه (وصل إليه) وهو في بعض منازل الطريق مسك بزمام راحلة الإمام الحسين وقال له
أين تريد ياابن رسول الله
فقال عليه السلام
إلى العراق
قال له إبن عمر والرجاء في عينيه
مهلاً إرحع إلى حرم جدك
فقال له عليه السلام (إني مأمور يا عبدالله وما أراد الله كائن)
فبكى إبن عمر وقبل الإمام الحسين بين عينيه وقال ( أستودعك الله من قتيل)
وعاد ابن عمر إلى مكة

في نفس اليوم الذي خرج فيه الحسين عليه السلام من مكة. وصل أمير الحجيج عمرو بن العاص الأشدق إلى مكة والذي عينه يزيد بن معاوية والي للمدينة بدلا عن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
فلما علم عمرو بن العاص بخروج الحسين عليه السلام بعث برجاله خلفه يقودهم أخوه يحيى بن سعيد بن العاص فلما وجدوه إعترضوا طريقه
وأمروه بالرجوع فرفض الإمام الحسن فتكالبوا عليه ليمسكوا به وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسياط فلما عجزوا عن الإمساك به قالوا للحسين عليه السلام :
( ألا تتقي الله ياحسين تخرج عن أمير المؤمنين يزيد وتفرق بين الأمة)
عندما رأى الحسين عليه السلام ما هم فيه من ضلال رد عليهم قائلا ( لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريئ مما تعملون)

فرجعوا حانقين إلى مكة وواصل الحسين طريقه نحو الكوفة

كان الإمام الحسين قد أرسل أخاه من الرضاعة عبدالله بن يقطر ليستقصي خبر أخيه مسلم بن عقيل الذي أرسله إلى الكوفة

وصل محمد بن الأشعث ومعه مسلم بن عقيل مكبلا إلى قصر الإمارة الذي يجلس فيه بن زياد

أخبر الأشعث ابن زياد بأنه أعطى إبن عقيل الأمان فضحك ابن زياد وقال ساخرا
نحن أرسلناك لتؤمنه أم لتأتينا به
أنهك العطش وآلم القيدإبن عقيل فقال أسقوني من هذا الماء
فرد عليه الباهلي / لاتذوق منه قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم
فسأله مسلم من أنت فرد عليه / أنا من عرفت الحق حين أنكرته ونصح لإمامه إذ غششته وأطاعه إذ خالفته أنا مسلم بن عمرو الباهلي

فلما دخل مسلم على إبن زياد لم يسلم عليه فقال له الحارس / ألا تسلم على الأمير
فأجابه مسلم بن عقيل
إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه
فاغتاظ إبن زياد وقال
لعمري لتقتلن

طلب مسلم أن يوصي بعض قومه الموجودين
وطلب من أحدهم أن يقضي دينه الذي عليه وأن يرسل إلى الحسين من يرده عن القدوم إلى الكوفة

إلتفت إبن زياد إلى مسلم بن عقيل مهددا وقال له
قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام
فرد عليه بن عقيل ( أما إنك أحق من أحدث في الإسلام مالم يكن وإنك لاتدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك
فسبه إبن زياد قائلا
ياعاق يا شاق خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمون وألقحت الفتنة
فقال له مسلم

( كذبت إنما شق عصا المسلمين معاوية وإبنه يزيد وأما الفتنة فألقحتها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف وأنا أرجوا أن يرزقني الله الشهادةعلى يد شر بريته)

وطال الحوار بين ابن زياد وابن عقيل
فلما إفتضح أمر بن زياد عاود سب إبن عقيل واتهمه بأنه يشرب الخمر في المدينة
فرد عليه إبن عقيل
( أنا أشرب الخمر أما والله إن الله ليعلم أنك غير صادق وإن أحق الناس بشرب الخمر من يلغ في دماء المسلمين فيقتل النفس المحرمة على الغضب وسوء الظن
فشتم إبن زياد مرة أخرى عقيل وعليا والحسن والحسين
فقال له ابن عقيل أنت وأبوك أحق بالشتيمة فاقض ما أنت قاض يا عدو الله

فلم يتمالك إبن زياد نفسه أمام صلابة إبن عقيل وأمر جلاوزته ( جنوده الذين يوكل إليهم قتل السجناء وقطع رؤوسهم) وقال

إصعدو به أعلى القصر واقطعوا رأسه وارموا جسده بعده من أعلى القصر ثم قال
(لبكر بن حمران الأحمري إصعد ولتكن أول من يضرب عنقه

كان بن عقيل يستغفر ويصلي على النبي وتوجه نحو مكه وسلم على الحسين عليه السلام وهو يقول

اللهم إحكم بيننا وبين قوم غزونا وكذبونا وخذلونا
ثم أمر بن زياد جلاديه أن يأخذوا هانئ بن عروة إلى السوق ويقطعوا رأسه أمام الناس
كان ابن عروة ينادي وامذحجاه ولم يسمعه أحد

وبينما إبن زياد في مجلسه دخل عليه رجاله بعبدالله بن يقطر أخو الحسين من الرضاعه وكان قد أرسله الحسين ليستقصي عن خبر بن عقيل

فقال له بن زياد ( إصعد الآن فوق المنبر والعن الكذاب بن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي

صعد بن يقطر المنبر والناس محتشدين فقال( أيها الناس إن الحسين قادم فاستقبلوه ولا تخذلوه فإن الأمر له وليس ليزيد ثم نظر إلى السماء ورفع يديه وقال

( اللهم إلعن الكذاب عبيد الله بن زياد وأباه الكذاب زياد بن أبيه )

فلما علم بن زياد بذلك أمر جنوده فرموه من أعلى القصر فتهشمت عظامه وكان لا يزال به رمق فأتاه رجل فذبحه

أمر بن زياد بجثتي ابن عقيل وابن عروة فسحبتا في الأسواق ثم صلبهما في الكناسة منكوستين
وبعث برأسيهما إلى يزيد بن معاوية مع إثنين من جنوده ومعهما رسالة يخبره بها أن الحسين قادم إلى الكوفة
كان ميثم التمار في الحبس ومعه عدد من أهل الكوفة الذين قبض عليهم بن زياد بسبب إتباعهم للحسين ونصرتهم لمسلم بن عقيل ومن بينهم
(المختار الثقفي ) الذين نزل بداره مسلم بن عقيل عندما جاء من الكوفة وعبدالأعلى الكلبي وعمارة الأزدي الذين ناصرا إبن عقيل عندما حاصروا قصر الإمارة
فأخبر المختار الثقفي بأنه سيخرج من السجن ويثأر لدم الحسين من ابن زياد ويطأ بقدمه على جبهته
فبينما هم يتكلمون دخل جلادوا بن زياد وأخذوا عبد الأعلى الكلبي
وقطعو عنقه ثم بعد ذلك أخذوا عمارة الأزدي وقطعوا رقبته بين قومه

بعد ذلك جاء الحرس فقيدوا المختار الثقفي وأخذوه إلى بن زياد فأمر بن زياد جلادوه أن يأخذوا المختار إلى ساحة القصر لقطع عنقه
فلما وصلو إلى الساحة أتت رسالة من يزيد إلى ابن زياد بأن يفكوا وثاق المختار الثقفي

السبب هو أن أخت المختار كانت متزوجة بعبدالله بن عمر الذي أعطى البيعة ليزيد فتشفع له عن يزيد

كان الإمام الحسين كلما نزل في مكان تذكر يحيى بن زكريا عليه السلام ويقول لولده علي بن الحسين ( إن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل

ولما إبتعد الحسين عن مكة جاءته أفواج من الملائكة المسومين وفي أيديهم حراب من الجنة فسلموا عليه وقالوا

( يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة وإن الله أمدك بنا)
فأمرنا لماتريد
فقال لهم الحسين ( الموعد حفرتي وبقعتي كربلاء التي أستشهد فيها فآتوني عندما ألقى الله)

فلما قطع مسافة أخرى أتته أفواج من مؤمني الجن فقالوا ( يا مولانا نحن شيعتك وأنصارك فأمرنا بما تشاء فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك)

فقال لهم عليه السلام ( جزاكم الله خيرا أما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة)
وقوله تعالى ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم)

فإذا أقمت بمكاني فبماذا يمتحن الخلق ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد إختارها الله لي يوم دحى الأرض وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا تُقبل بها أعمالهم وصلواتهم ويجاب دعاؤهم وتسكن إليها شيعنا فتكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة)

قالوا ( فبما تأمرنا ياابن رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال( تحضرون يوم عاشوراء حين أقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي وإخواني ويسار برأسي إلى يزيد بن معاوية)

قالوا ( والله يا حبيب الله. وابن حبيبه لولا أن أمرك طاعة لقتلنا جميع أعداؤك قبل أن يصلوا إليك)

فقال الحسين عليه السلام ( نحن والله أقدر عليهم ولكن ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة)
فودعوه وانصرفوا

كان الحسين عليه السلام كلما مر بدار أو بقوم منهم من يتبعه ومنهم من ينصرف عنه حتى وصل إلى منطقة الحاجز

لما بلغ بن زياد خروج الحسين عليه السلام من مكة إلى الكوفة أرسل الحصين بن نمير صاحب الشرطة حتى نزل في القادسية حتى سدوا الطريق الرئيسية وقطعوا جميع الطرق

عثر رجال الحصين على قيس بن مُسهر الصيداوي والذي كان قد أرسله الإمام الحسين إلى جماعة من أهل الكوفة ليخبرهم بقدومه إليهم فأخذوه إلى الحصين الذي أرسله بن زياد ليقطع الطريق على الحسين عليه السلام فأراد أن يفتش قيس الصيداوي فأخذ الكتاب وحرقه حتى لايقرأ الحصين ما فيه

فأخذ الحصين قيس الصيداوي إلى إبن زياد وكان في المسجد وأخبره بما فعل بالكتاب ( أي الرسالة)
فقال له بن زياد / من أنت
قال قيس / رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وإبنه الحسين عليهما السلام
سأله بن زياد / فلماذا خرقت الكتاب
قال حتى لا تعلم مافيه
قال بن زياد / وممن الكتاب وإلى من
فرد عليه / من الحسين عليه السلام إلى جماعة من أهل الكوفة
قال له ومن هم رد عليه قيس / لا أعرف أسماءهم
فغضب ابن زياد وقال / والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء أو تصعد المنبر وتسب الحسين وأباه وأخاه
فقال له قيس ( أما الأشخاص فلا أخبرك بأسمائهم وأما سب الحسين وأبيه وأخيه فأفعل
فقال له بن زياد ( إصعد المنبر وسب الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي
صعد قيس المنبر وقال/
( الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله الهداة المعصومين ولا سيما فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب وولديهما الحسن والحسين فهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم إلعن الكذاب ابن اكذاب عبيد الله بن زياد وأباه وعتاة بني أمية ومن آزرهم ونصرهم أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله إبن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا رسوله إليكم وقد تركته بالحاجز فأجيبوه) فاستشاط بن زياد غضبا وأمر جنوده فأخذوه ورموه من أعلى القصر .
وصل الحسين عليه السلام إلى ماء من مياه العرب وكان عليه عبدالله بن مطيع العدوي فلما رأى الحسين قال له
( بأبي أنت وأمي ياابن رسول الله ما أقدمك ( أي لماذا جئت)

فرد عليه الحسين ( كتب إليّ أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم)
فناشده بن مطيع الله بأن يعود وأن لا يعرّض نفسه لبني أمية فإنهم قاتلوه)
فقال الحسين عليه السلام ( إنه أمر الله وكان أمر الله قدرا مقدورا) ثم واصل طريقه

فالتقى برجل عثماني وهو زهير ابن القين البجلي ومعه جماعة من قومه فكان كلما سار الحسين في جانب سار زهير في الجانب الآخر
وعندالغداء جاء رسول من عند الحسين عليه السلام فسلم عليه وأخبره بأن أبا عبدالله الحسين بعثه إليه ليأتيه
فصمتوا وكأن على رؤوسهم الطير
فقالت زوجة زهير :
أيبعث إليك إبن رسول الله ولا تجبه فلو ذهبت إليه وسمعت كلامه
فذهب زهير إلى الحسين على كره وبقي عنده ساعة
وما لبث أن عاد إلى أصحابه مستبشرا مشرق الوجه وقال لأصحابه بأنه سيلتحق بالحسين ومن أراد أن يذهب معه فليذهب ومن أراد الرحيل فإنه آخر العهد فتعجبوا وقالوا/

ما وراءك
قال زهير / إنا غزونا بلنجر ( وهي بلدةمن بلاد الخزر) ففتح الله علينا فغنمنا غنائم وفرحنا
قالوا له وماذا بعد
قال زهير ( فقال لنا سلمان الفارسي إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم إلى جوارهم منكم بما أصبتم من الغنائم
ثم سار إلى إمرأته وقال لها/ ( إلحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك من سببي إلا خيرا)

ثم إستودعهم الله وسار مع الحسين عليه السلام
نزل الحسين عليه السلام في الخزيمية فجاءت إليه أخته زينب عليها السلام الصباح وقالت له

يا أخي سمعت شيئا البارحة
قال لها وما هو

سمعت في الليل هاتفا يقول /
ألا يـاعـيـن فاحتـفـلي بجهدِ
ومن يبكي على الشهداء بعدي
على قومٍ تسوقهم المنايا
بمقدار إلى إنجـاز وعــدِ

قال لها الحسين كل الذي قضي فهو كائن
رحل الحسين عليه السلام ومن معه من الخزيمية ونزلوا في الثعلبية
فجاء إليه رجل من أهل الكوفة إسمه أبو هرة الأسدي فسلم عليه وقال ( ياابن رسول الله ماالذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك رسول الله
فقال له عليه السلام ( ويحك يا أبا هرة إن بني أمية أخذوا مالي وشتموا أهلي فصبرت وطلبوا دمي فهربت وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً وليسلطن
الله عليهم من يسقيهم كأس الهوان)

فدهش الرجل ووقف متعجباً
ثم واصل الإمام الحسين مسيرته ومن معه
علم الحسين من رجلان بأن إبن عقيل وهانئ بن عروة قد قتلا فترحم عليهما مرارا

فلما أقبل السحر قال الحسين عليه السلام لفتيانه ( إستقوا وأكثروا من الماء)
ثم ساروا حتى نزلوا بمنطقة (الزبالة) وهي منطقة مابين الكوفة ومكة
فلم يكد يوصل إليها حتى أتاه خبر مقتل أخيه من الرضاعة( عبدالله بن يقطر) فحزن حزنا شديدا
ثم جمع من كانوا معه وقال ( لقد خذلتنا شيعتنا فمن أحب منكم أن ينصرف فلينصرف ليس عليه منا ذمام
فتفرق الناس عنه يمينا وشمالا ولم يبقى معه إلا نفر قليل ممن جاءوا معه من المدينة وممن إنضموا إليه

لأن الحسين كان يعلم بأن أكثر من اتبعوه إنما إتبعوه ظناً منهم أن الإمور قد استقامت له في الكوفة

بعد ذلك سار الحسين عليه السلام من الزبالة حتى نزل في العقبة فلقيه شيخ من بني عكرمة( عمرو بن لوذان) فسأل الحسين أين تريد فأجابه / الكوفة
فقال له الشيخ ( أنشدك الله أن تنصرف فوالله ماتقدم إلا على الأسنة وحد السيوف وإن من كتبوا إليك ناكثوا العهود)
ققال الحسين عليه السلام( لا يخفى عليّ الرأي ياشيخ ولكن الله تعالى لايُغلب على أمره والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم. حتى يكونوا أذل فرق الأمم)

إستقى الحسين ومن معه وأكثروا من الماء وغادروا المنطقة
واصل الحسين عليه السلام طريقه حتى نزل وادي الخيل
فأمر بضرب خيامه وأبنيته
أقبل أتباع بن زياد بألف فارس وعليهم الحر بن يزيد الرباحي فوقف في الجهة المقابلة للحسين وكان وقت الظهيرة رأى الحسين أن العطش قد أضر بالحر وخيله فقال لفتيانه إسقوا القوم ورشقوا الخيل ترشيقا

فحضرت صلاة الظهر وأمر الحسين عليه السلام ( الحجاج بن مسروق أن يؤذن للصلاة)
صلى بهم الحسين عليه السلام ثم انصرف إلى معسكره وانصرف الفريق الآخر
بعد ذلك تكلم الحسين مع أصحابه الذين بقوا معه قائلا ( الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا مُحصوا بالبلاء قلّ الديانون)
ثم حمدالله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله فقال ( أما بعد فإنه قد نزل من الأمر ماقد ترون وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وحسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون أن الحق لا يُعمل به والباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً)

فقام زهير بن القين وقال ( أتتكلمون أم أتكلم)

قالوا بل تكلم
( فحمدالله وأثنى عليه وقال ( والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين إلا أن نفارقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها) وقام اصحابه وقالوا مثل ذلك

سار موكب الحسين عليه السلام والحُر الرباحي
يسايره في الجهة المقابلة حتى وصلا إلى منطقة البيضة فخطب الحسين عليه السلام في الناس بعد أن حمد الله وأثنى عليه

( أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال من رأي سلطاناً جائرا مستحلاً لحرم الله ناكةا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عبادالله بالإثم والعدوان فلم يغيُر عليه بفعل ولاقول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيئ وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غيري وقد أتتني كتبكم ( أي رسائلكم) وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن تممتم على بيعتكم أصبتم رشدكم فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم فلكم فيّ إسوة حسنة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ماهي لكم بنكر لقد فعلتوها بأبي وأخي وإبن عمي مسلم بن عقيل والمغرور من اغتر بكم
فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)

واصل الركبان مسيرهما فضيق الحر بن يزيد على الحسين عليه السلام الطريق وقال

) ياحسين إني أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن)
فقال له عليه السلام ( أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني سأقول لك كما قال أخو الأوس لإبن عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله فخوفه إبن عمه وقال
( أين ستذهب فإنك مقتول فقال له

سأمضي وما بالموت عار على الفتى
إذا ما نـوى حقـاً وجــاهـد مـسـلـمـا
وواسى الرجـال الصادقين بنفسـه
وفارق مـثـبـورا وخـالـف مـجـرمـا
فإن عـشت لم أنـدم وإن مُت لم أًلم
كفى بـك ذُلّا أن تـعـيـش وتـُرغـمـا

سار الإمام الحسين حتى وصل إلى منطقة عذيب الهجانات وكان بها أربعة أشخاص منهم الطرماح بن عدي الطائي فلما رأى الحسين عليه السلام إرتجز يقول

يا ناقتي لا تذعري من زجري
وامضي بنا قبل طلوع الفجرِ

بخير ركبان وخـيـر سـفـر
حتى تحلي بكريم النّحر

الماجـد الحـر رحيب الصدرِ
أتى بـه اللـه لخيـر أمــر

أيـّد حسينا سيدي بالنصرِ
على الطغاة من بغايا الكُفرِ

على اللعينين سليلي صـخـر
يزيـد لا زال حـلـيف الخـمرِ

وابن زيـاد عـهر ابن العهرِ

فلما عرف الحسين بأنهم من أهل الكوفة سألهم ( هل عندكم علم برسولي قيس بن مسفر)

قالوا ( نعم لقد قتله إبن زياد رميا من أعالي القصر لأنه إمتنع عن لعنك ولعن أبيك ودعا إلى نصرتك
فترقرقت عيني الحسين عليه السلام بالدموع وقرأ ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)
ودعا قائلا : ( اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلاً واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك)

 

(إعـــــــداد / وفــيــه الــعـمـري)

/////////////////////////////////////////////////

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى