▪صلح الإمام الحسن وموقعه من ثورة الإمام الحسين .
بقلم _ عدنان أحمد الجنيد
▪الحلقة الأولى :
إن قضية صلح الإمام الحسن – عليه السلام – وقضية ثورة الحسين – عليه السلام – استشكلت على الكثير من الباحثين – قاصري الفهم – ناهيك عن العلماء وطلاب العلم، ظانيين أن هناك اختلافاً وتناقضاً بين صلح الإمام الحسن وبين ثورة الحسين، بل وصل بالبعض إلى انتقاد الإمام الحسن في صلحه، وتأييد الإمام الحسين في ثورته .. والبعض الآخر كان على العكس، حيث أيَّد الإمام الحسن في صلحه لأنه أحقن الدماء، وانتقد الإمام الحسين في خروجه وثورته لأنه تسبب بقتل نفسه ومن معه ..
وهناك الكثير من الباحثين من يرى أن الحسن رجل السلم يميل إلى السلام، ومزاجه منشد للمصالحة، بخلاف أخيه الحسين رجل الحرب يميل إلى الجهاد ومزاجه منشد للقتال والاستشهاد …
وهذه الآراء والفهم القاصر هو من نتاج الموروث الحديثي والتأريخي اللذين تبنت هندستهما الدولتان الأموية والعباسية، ليتوافق مع أهوائهما وينسجم مع تحقيق أهدافهما..
فلقد أتوا بروايات تأريخيه ظاهرها الثناء والمدح للإمام علي ولولديه – عليهم السلام – وباطنها – عند التحقق بها – الإساءة والقدح لهم عليهم السلام، بل وبعضها تجعل من معاوية تقياً صالحاً يهمه حقن دماء المسلمين، بينما تصور الإمام الحسن بأنه إنسان مادي لا يهمه إلا مصلحة نفسه، وكذلك روايات أخرى تصوره بأنه عكس ما كان أبوه، لأن والده ما مات إلا وقد أوصى باستئصال مركز الفساد في الشام، بينما ولده الحسن قبل بالصلح، هكذا حسب زعمهم .
لقد صورت هذه الروايات أن فئتي الصراع على حق،(فئة الحسن وفئة معاوية)، وليس فيهما فئة باغية التي تحدث عنها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بقوله: ” ويح عمار تقتله الفئه الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ” رواه البخاري، لكنهم لم يعبؤوا بهذه الرواية الصحيحة، بل أتوا برواية – ظاهرها مدح للحسن وباطنها عكس ذلك – : ” إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ” (١) انظر صحيح البخاري [ ١٦٩/٣ ].
والبعض أضاف كلمة المؤمنين بدل المسلمين، عن أبي موسى قال:” سمعت الحسن (البصري) يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها!!، فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين!! :إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور الناس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم ؟! فبعث إليه رجلين من قريش من بنى عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز فقال: إذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه، فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنَّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال!! ،وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك، قال: فمن لي بهذا ؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به ،فصالحه!! فقال الحسن (البصري): ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ” (٢)انظر صحيح البخاري [ ١٦٩/٣ ].
وفي رواية : ” فصالح الحسن معاوية، وسلم الأمر له وبايعه بالخلافة على شروط ووثائق، وحمل معاوية إلى الحسن مالا عظيما!! يقال خمسمائة ألف ألف درهم، وذلك في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، وإنما كان ولي قبل أن يسلم الأمر لمعاوية سبعة أشهر وأحد عشر يوما ” (٣) مستدرك الحاكم [ ١٧٤/٣ ] .
فانظر أيها المنصف إلى هاتين الروايتين، فهاتان الروايتان وغيرها من الروايات التي تسير على هذا النسق فيها من التزوير مافيها، ناهيك عن الكذب والتناقض الذي لا يجهله ذو لب وإنصاف
– تقول الرواية: إن الحسن استقبل معاوية بكتائب أمثال الجبال، وفسرها ابن حجر بقوله: ” أي لا يرى لها طرف لكثرتها كما لا يرى من قابل الجبل طرفه ” (٤) فتح الباري [ ٥٣/١٣ ].
قلت: وكلامهم هذا باطل، فلم يكن له كتائب بهذا الوصف، ولو كان له هذه الكتائب لما توقف عن قتال معاوية ولما اضطر إلى الصلح، لأنهم خذلوه وتمردوا عنه ولم يبق معه إلا القليل فقط..
– تصور هذه الرواية رحمة معاوية بالناس وأنه حريص على حقن دماء المسلمين، مع أن روايات التأريخ حافلة بجرائم معاوية التي لا تكاد تحصر، ناهيك عن قتله للمؤمنين صبراً، ولا يتسع المقام لسرد فواقره العظام وبوائقه الجسام ..
– تصور هذه الرواية أن الإمام الحسن ما صالح إلا لأجل المال، وكأن أمر المسلمين لا يهمه، وستجد لاحقاً أن الإمام الحسن ما اضطر إلى قبول الصلح إلا للحفاظ على الإسلام وعلى البقية الباقية من المسلمين ولأمور أخرى كما سيأتي ذكرها لاحقاً، وليس كما تصوره هذه الرواية ..
◾من الأرشيف.