زينب والعباس”عليهما السلام” مشروع إلهيّ..!

بقلم _ كوثر العزاوي

حينما نقرأ في كتب المقاتل، أو نسمع في المجالس، إنّ أبا الفضل العباس “عليه السلام” كان “كفيل زينب” خلال مسير الحسين “عليه السلام” كما شاء الله له، من المدينة الى كربلاء، فقد يمرّ هذا التعبير علينا مرورًا عابرًا، وكأنّه مجرد وصفٍ لمهمّة عائلية، أُوكلِت إليه أن يرافق أخته العقيلة، ويحفظها في المسير الصعب مع عيال الإمام الحسين “عليه السلام” وحسب! لكنّ هذا الفهم البسيط، يُسطّح دورًا رساليًا، هو من أعظم مشاريع الوفاء والولاء في التاريخ، ليس مع زينب ابنة عليّ فقط، إنما في جميع تفاصيل قضية كربلاء الخالدة.

فعندما نريد أن نسلّط الضوء على البُعد الأعمق لدور أبي الفضل العباس”عليه السلام” في ثورة الحسين بشكل عام، ومع أخته “العقيلة زينب” بشكل خاص، يتجلّى ذلك البعد الحقيقيّ لمشروعٍ كبير، عنوانه “الوفاء المطلق، والانصهار في إرادة إمام الزمان، والتضحية في سبيل بقاء الدين”.
نعم! الكفالة عند أبي الفضل العباس “عليه السلام” ليست وظيفة مؤقتة، بل رسالة رسّخها بعبَق الدّم الزاكيّ، المفعم بالولاء، المنصهرُ في بوتقة الطاعة المطلقة.
لم يكن “العباس” مجرّد حارس لشخص “زينب” والعيال، بل كان كفيلًا لرسالتها المنتظَرة، يوم أدرك في حضرة أبيه المرتضى”عليه السلام” إنّ “زينب” ليست كباقي النساء، ولم تكن تلك الضعيفة التي تحتاج من يحمل عنها وعثاء الطريق، رغم ماستلاقي من رزايا ومحنٍ يشيب لها الرضيع، لكنها لم تنكسر، لأنها المرأة الرسالية، وإحدى أهم ركائز الثورة الحسينية، وهي الصوت الحقّ الذي سيمتدّ صداه إلى ما بعد فاجعة الطف، تلك الفاجعة التي اهتز لها عرش الله تعالى، يوم العاشر من محرم سنة ٦٢ للهجرة، بإدارة الطاغية يزيد بن معاوية وأعوانه القتلة، الذين لم يـرعو حرمة نبيّهم آنذاك!.
لقد علِمَ أبو الفضل العباس، أنّ “زينب”، هي حاملة سرّ كربلاء، وحافظة قضية الحسين، وناقلةُ رسالة الإمامة إلى ما بعد الطف. من هنا كانت “زينب” عند أبي الفضل، ليست مجرد أختٌ عزيزة، وامرأة تعهدها ضمن قافلة حرم الحسين، إنما “زيتب”، وريثة النّبوة، وصدى القرآن الناطق، وكفالته لها، يقتضي استمرار نور الإمامة، وحفظ الرسالة، وانتصار الكلمة على السيف.

فإذا أردنا أن نُعيد قراءة أبي الفضل العباس “عليه السلام” ، فلنقرأه كما هو: كفيلًا لزينب، وهو الذي إذا مشى بجانبها خفّت عنها الأهوال، وإذا ناداها خفّ عنها الثقل. في الوقت الذي هو حامل لهمّ الرسالة، وكافلٌ لصوتٍ سيهدر مزلزِلًا عرش الجبابرة في الكوفة والشام، لتبقى رسالة الحسين “عليه السلام” ممهورة بصوت ابنة عليّ”عليه السلام”، وقد صدقَ الوعد، حينما وقفت “عليها السلام” في قصر ابن زياد، لم تكن وحدها، فقد كانت وصيّة الحسين أمامها، وظلّ العباس خلفها، وتلاقت الكفالة مع الرسالة، فتحوّل الموقف العظيم إلى مشروع إلهيّ متكامل.
فتجلت الحقيقة العميقة آنذاك: بأنّ الكفالة لم تكن مَهمة ينتهي بها الطريق عند مقتل أبي الفضل العباس، بل مشروعًا بدأ بفقدهِ، ليسطع ظهور زينب بعظمة الزهراء وبلاغة عليّ.. ويوم سقط القمر، أشرقت شمس العقيلة!.
أما الدرس المستفاد الذي ينبغي معرفته:
“أنّ العباس “عليه السلام” ليس بطل الأمس يوم الطف وحسب، إنما هو مشروعُ طويل المدى، متصل بزمن الظهور المقدّس، زاخر بالولاءٍ والطاعة، مشروع وفاءٍ وتسليم مطلق، مشروعٌ ينتظر رجال صادقين. فمن أراد أن يكون من أنصار المهديّ، فليدخل من باب العباس “عليه السلام”.

٧-محرم الحرام-١٤٤٧هجري
٣-تموز-٢٠٢٥ميلادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى