الحسين ثورة، والثورة لا تموت.
بقلم _ كوثر العزي
رأيتُ الإمام الحسين عليه السلام مشعلًا لا ينطفئ، وثورةً لا تموت، بل تحيا وتُحيي معها الأمة، وحقيقةً ثوريةً باقيةً رغم تكالب بني أمية من ذلك اليوم وإلى يومنا هذا، ورغم تلبيس الباطل بالحق من قِبَلهم. رأيتُه نورًا لا يُحجب عن السائل والمحروم، رأيتُه رمزًا لكل مقاوم وأيقونةً لكل فدائي مجاهد، لم يخرج بَطَرًا ولا أَشَرًا، وإنما إصلاحًا في دين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. رأيتُه ينبوعًا لا يجف من التضحية لكل قلبٍ لا يساوم على الحق، ولا يرتضخ لباطل، شامخًا، ثائرًا، مقاومًا.
عشناه واقعًا دون أن نعيش معه فاجعة كربلاء، لكن التاريخ اليوم يُعيد نفسه؛ يُعيد كربلاء، يُعيد الحسين، عبد الله الرضيع، العباس، زينب، رقية، ويُعيد يزيد ومن معه. في كل حقبة نرى كربلاء تتجدد، تنزف من جديد. نرى حسين العصر يرتطم بالأرض، مثخنًا بالجراح، مضرّجًا بالدماء الطاهرة، والطغاة فوق الجثمان يتراقصون. نرى قلةً قليلةً من الأنصار الثابتين الراسخين في أرض نينوى. نرى زينب عليها السلام شامخةً بسيف الكلمة تجاهد. نرى الحصار والجوع والعطش. نُبصر خناجر يزيد قد تطورت وباتت صواريخ متطورة تحزّ الطفل من الوريد إلى الوريد. نُشاهد سكوتًا، تواطؤًا، انحيازًا، وانسحابًا.
نحن اليوم هنا، وكربلاء بنا؛ كالحسين في البدر بمران، كالحسن في أرض لبنان، كالسنوار في أرض القدس، والكثير من الحسينيين من بذلوا الروح والدم لكي تعيش الأمة بواقعٍ يليق بها، بواقع الحرية التي سعى لها الرسول في عهده، والتي كانت عالميةً قد تُنجي الأمة ليوم الدين، إذا ما تمسكوا بكتاب الله وعترته آل بيته.
لا شك في أن التفريط الذي حصل من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان عدم مبايعة تلك اليد التي رُفعت في غدير خم، يد الإمام علي عليه السلام، التي رفعها الرسول مبايعًا إياها آيةً لإكمال الدين وارتضائه. فمن تلك اللحظة، لحظة الزيغ والتفريط، تم تمكين بني أمية من السيطرة على هذه الأمة، وبث بساط الظلم والتجبر في هذه الأرض، حيث إنها تراجعت إلى وضعية أسوأ مما عاشته في جاهليتها الأولى، فكانت النتيجة مأساويةً جدًّا بحق هذه الأمة، والتي انقلبت أيضًا على الإسلام المحمدي الحقيقي، وأبرزت نسخةً للإسلام مزيفةً محرفةً تخدم طواغيت بني أمية، وتمكنهم من رقاب الأمة والجلوس على كراسي حكمها.
كيف كانت الوضعية التي وصلت إليها الأمة، والتي جعلت الإمام الحسين يتحرك للجهاد في سبيل الله؟
الإمام الحسين بن علي عليهما السلام لم يقبل أو يساوم في مبايعة الطاغية يزيد؛ لأنه يدرك خطورة ذلك الأمر. كان يعي جيدًا ماذا يعني أن يحكم طاغية. تحرك آنذاك الإمام الحسين تحركًا واعيًا، عن بصيرة، عن قناعة راسخة. تحرك الإمام الحسين تحرك القرآن، وبما تمليه عليه آيات القرآن الكريم من التحرك والجهاد. تحرك من موقع المسؤولية، حينما يرى الأمة تعيش حالةً مستوحشةً وتسقط للأسفل شيئًا فشيئًا، ويرى أيضًا شكلًا جديدًا للإسلام كُتب ورُسم بيد طواغيت هذه الأرض، يُلبس ثوب النفاق الأموي. حينما يرى الواقع المرّ قد فُرض دون تحرك جاد من هذه الأمة، ما يراه هو السكوت والجمود وطأطأة الرؤوس. حينما عزم سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التحرك، بلغ أهل الكوفة نزول الإمام الحسين مكة وإعلانه لثورةٍ جهاديةٍ على الظالم، وأنه لم ولن يبايع يزيد. فحينما وصل الإمام الحسين أرض كربلاء، حدثت أحداث كربلاء وقصتها التي باتت تُروى كقصصٍ فيها العبرة بأهمية التحرك والتوكل على الله، وعدم الاكتراث لِعُدّة الأعداء وعتادهم الهائل، وبالتحمل في الجوع والعطش؛ كذكرى وتذكير بأن أصحاب الحق شخصيات لا تموت حتى وإن دُفنوا تحت الأرض.
فوالله إنا على النهج الحسيني باقون، ثابتون، عازمون. وفي مقارعتنا للباطل صامدون، محاربون. وصوته المزلزل عروش الطغاة، رافعًا رايات الجهاد فينا، لا يزال ينادي: “إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلّة والذلة، فهيهات منا الذلة.” فما نحن إلا جنودٌ مجندةٌ تحت تلك الراية الثابتة التي وُجدت من ثورةٍ باقيةٍ، وشعلةٍ متوقدةٍ، وجهادٍ للباطل، وإصلاحٍ للدين. فدمه الطاهر يسري في عروق الأحرار قاطبةً، كوقودٍ ثوريٍّ يُحرّك الأمة من الجمود والقيود الاستعمارية، للتحرر والعيش في حرية. يوقظ فينا العزم والإباء، ويشعل فينا جذوة الكرامة والعنفوان. ستُحمل رايته الأجيال القادمة. نحن من نحيا على حبه، ونستشهد على دربه، ونثبت على نهجه؛ لأن الحسين ليس قصةً تُروى على المسامع، بل رسالةً تُحيا، وواقعًا يُتعايش، وذكرى لا تموت.
#الحملة_الدولية_لفك_حصار _مطار _صنعاء
#اتحاد_كاتبات_اليمن