اليوم السابع من محرم الحرام 61 هـ استراتيجية التضحية والفداء.

بقلم _ طوفان الجنيد.

المقدمة:
اليوم السابع من محرم، يومٌ استراتيجي ومحوري في صراع الظلم والطغيان والعدل والقيم، ومنعطفٌ حاسم في معركة كربلاء، حيث بدأت الأحداثُ فيه تبرزُ البطولاتِ الحيدرية، ويتشكّل فيه الثباتُ الحسيني وتتجلى أدوارُه الاستراتيجية والعسكرية والإنسانية، التي قادها أبو الفضل العباس بن علي (عليه السلام)، المعروف بـ”ساقي العطاشى”، هذا الكرار الحيدري الذي أصبح أنموذجًا للقيادة التكتيكية والتضحية والفداء والإيثار، المنظّم الذي يحتاج إلى تحليلٍ متعددِ الأبعاد والاستراتيجيات.
أولًا: البُعد الاستراتيجي للمعركة قبل اليوم السابع:
1- الحصار المائي: السلاح الدنيء والقذر
فرض جيشُ ابن زياد حصارًا مائيًّا مشددًا على معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) منذ الثالث من محرم، مستهدفًا تجويعَ القافلة وإجبارها على الاستسلام دون قتال.
بلغت ذروة الحصار في اليوم السادس، حين قطع الجيشُ وصول القافلة إلى نهر الفرات، مما هدد حياة النساء والأطفال بالجفاف.

2- البُعد العسكري غير المتكافئ
كانت قوات الإمام الحسين (عليه السلام) تتكون من اثنين وسبعين مقاتلًا، بينهم رجالٌ مسنون وفتية ونساء، مقابل قوات عمر بن سعد التي بلغت أربعة آلاف جندي مدجّجين بالسلاح.
حينها أدرك العباس (عليه السلام) استحالة المواجهة المباشرة، فاتجه إلى حلول غير تقليدية، وركّز على كسر الحصار المائي.
التخطيط التكتيكي:
تجاوز نقطة الحصار الرئيسية ليلًا باستخدام التمويه والتسلل الفردي.
الوصول إلى النهر من جهات غير مراقبة، مستفيدًا من تضاريس المنطقة.
ملء القِرَب تحت وابل السهام، مما يدل على براعته في القتال تحت الضغط، سلام الله عليه.
رفض شرب الماء رغم العطش، لضمان وصوله إلى الأطفال أولًا، محولًا المهمة العسكرية إلى نموذج أخلاقي.
البُعد النفسي والمعنوي:
رفع الروح المعنوية في معسكر الحسين بعد توفير الماء، مما أعاد الأمل لقواتٍ منهكة.
تحطيم أسطورة “القوة الخارقة” لجيش ابن سعد، بإثبات إمكانية اختراق دفاعاتهم.
الحفاظ على البعد الإنساني: تقديم إغاثة المدنيين (النساء والأطفال) على الاحتياجات العسكرية، مؤكدًا أن المعركة كانت دفاعًا عن القيم، لا طلبًا للسلطة.
ثالثًا: الدروس الاستراتيجية المستخلصة:
1- القيادة بالقدوة لا بالرتبة
رغم كونه حاملَ لواء الحسين، إلا أنه نزل إلى الميدان بنفسه لتنفيذ المهام الحرجة، وأصبح أنموذجًا يُدرَّس في القيادات العسكرية الحديثة.
2- التركيز على استهداف نقاط الضعف لكسر الحصار، بدلًا من المواجهة المباشرة.
3- تحويل التحديات إلى فُرَص: أزمةُ الماء تحولت إلى رمز للوحدة.
تحول العباس إلى أيقونة للفداء والتضحية، مما وفّر رصيدًا معنويًّا استُخدم كنُبراس ورمزٍ لفداء أهل البيت (عليهم السلام)، ومنار إلهام للثورات التحررية اللاحقة، مثل ثورة المختار.
4- في إدارة الأزمات: كيف تُدار الموارد الشحيحة (الماء) في ظل الضغوط القصوى، عبر أولوية الضعفاء وترشيد التوزيع.

الخاتمة:
اليوم السابع من محرم ليس حدثًا ماضويًّا، بل استراتيجيةٌ قابلة للتجديد في مواجهة أنماط الظلم بكافة أنواعه، حتى في العصر الحديث.
فكما حوّل العباسُ (عليه السلام) أزمةَ الماء إلى منصةٍ للنصر المعنوي، يمكن توظيفُ دروسه في مواجهة الحصارات الاقتصادية المعاصرة.
ليس المهم أن تكثر قواتك، بل أن تحسن إدارة قوتك.
وللحديث بقية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى