حين صاغ الدم هوية الأمة

بقلم _ خلود همدان

الحسين بن علي عليه السلام في ساحة كربلاء يُعيد صياغة هوية الأمة في زمنٍ قلَّ فيه الناصر والمعين، وتكالبت وحوش الهوى والسلطة تتناهش الدين من كل زواياه، وتنخر في جسده بسهام الغدر والخيانة. تلتف الأمة العمياء حول إمارة الظلم والفجور، وتتحايد عن الدين، وتتنكر لكل القيم والمبادئ. وفي مرحلةٍ هي الأشد انحدارًا وانكسارًا وضياعًا وشتاتًا وتفرقة، يُسرج “الحسين السبط” صهوة جواده، رافعًا شعار “هيهات منا الذلة”. لا يبالي بالعوائق، ولا يكترث للتحديات، وفي ساحة كربلاء يُصدر بدمه الزاكي ملاحم البطولة وأعلى مراتب الإحسان والتضحية بنفسه وماله وأولاده في سبيل الدعوة إلى الله، والحفاظ على رسالة جده رسول الله محمد صلى الله عليه وآله.

وعندما أراد طغاة بني أمية طمس معالم هذا الدين، وإزاحة “آل محمد” من الساحة الإسلامية، وشن هجمةً شرسةً ضدهم، ومحاربتهم وتشويههم وإقصائهم عن مواصلة حمل المشروع الإلهي واحتضان الرسالة، تحرك الإمام “الحسين بن علي عليه السلام” مع القلة القليلة المؤمنة بكل صبرٍ وجلدٍ وتوكلٍ على الله.

خاض “الحسين عليه السلام” هذه المعركة الفاصلة في تاريخ الأمة، ثم يخرج منها منتصرًا بإحدى الحسنيين، ويرتقي إلى الله شهيدًا بعد أن سطر بدمه الطاهر دروسًا مخلّدةً إلى أبد التاريخ، وعبّد طريقًا يصعد منه أحرار الأمة إلى كل فلاحٍ وظفر.

وتظل كربلاء ليست مجرد ذكرى، بل عنوانًا متجددًا لمعركة مستمرة بين الحق والباطل؛ بين المشروع الإلهي الذي يمثله الحسين وآل بيته، والمشروع الأموي الذي يمثل الانحراف عن نهج النبي. وسيظل صوت الحسين يعلو في كل زمان، يُعيد التذكير بأن لا شرعية لمن يحكم بالجور، وأن الصمت على الظلم جريمة كبرى.

اليوم، حين ننظر إلى حال الأمة وما تعانيه من استبداد وتمزيق وهيمنة، نجد أن فكر الحسين لا يزال حيًا في وجدان الأحرار، وكل من يرفض الذل والخنوع يستمد من كربلاء صبره وثباته. فالحسين لم يخرج ليحقق نصرًا عسكريًا، بل ليحيي ضمير أمة نائمة، وينقذ الإسلام من التحريف والضياع.

ذلك الدم الطاهر الذي سُفك على تراب كربلاء لم يكن خسارة، بل كان بداية حياة جديدة لمسيرة الوعي والبصيرة. وحين نقول إن الدم صاغ هوية الأمة، فالمقصود أن تلك التضحيات قد أعادت للأمة بوصلتها، وأرشدتها إلى الطريق الحق الذي لا يخضع للطغاة ولا ينحني أمام السلاطين.

كل مقاومة اليوم هي امتداد لكربلاء، وكل حرٍ يواجه الجور هو صوتٌ من أصوات الحسين. فسلامٌ على الحسين، وعلى كل من نهض معه، وعلى كل من سار على دربه، وظل وفيًا لصرخة الحق “هيهات منا الذلة”.

#الحملة_الدولية_لفك_حصار _مطار _صنعاء
#اتحاد_كاتبات_اليمن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى