صلح الإمام الحسن وموقعه من ثورة الإمام الحسين .

بقلم _ عدنان أحمد الجنيد

▪الحلقة الخامسة والاخيرة:

* إن الإمامين – الحسن والحسين عليهما السلام -اصطفاهما الله للإمامة، وهما من كبار أولياء الله، وقد حازا على علم وأسرار رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ولديهما العلم اللدني الكامل، بل لقد خصهما رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بعلوم غيبية وكشفية دون سائر الناس، ولهذا علما مآلهما، لهذا كان الإمام الحسن يعلم أنه لو قاتل بالبقية الباقية معاوية واستشهد هو ومن معه، لما كان لاستشهاده أي أثر إيجابي على الناس، بحيث ينهضوا ويقفوا ضد الباطل، وذلك لمرض الشك الذي أصابهم، والتباس الحق بالباطل بسبب التشويش الأموي الذي قام به معاوية، ولهذا قبل الإمام الحسن بالصلح اضطراراً لعلمه بما سيؤول من نتائج إيجابية وخير كبير على الأمة، وفعلاً انتصر الحسن بالصلح، وأما معاوية وإن كسب بعض الأهداف الآنية التي كان يسعى لأجلها لكنه خسر المعركة فيما بعد، وكذلك الإمام الحسين علم بإلهام الله له – أو بما خصه رسول الله بالأخبار الغيبية التي ستحدث له – بأن ثورته واستشهاده من أجل الحفاظ على الإسلام وأهله سيكون لها الانتصار الدائم والقدوة لجميع الثورات التي ستأتي من بعده ..
ولو كان الإمام الحسين – عليه السلام – قبل بيزيد حاكماً على المسلمين ، لما خرج الناس على أي ظالم إلى قيام الساعة، بل ستكون للظالمين شرعية الحكم على المسلمين، بحجة أن الحسين قبل بحكم يزيد ولم يخرج عليه ..
المهم يجب أن نعلم بأننا لسنا أعلم من هذين الإمامين، فهما سبطا الرسول، ويعلمان ما يقولان وما يفعلان، وهما قدوة لمن بعدهما، ونحن مأمورون باتباعهما لحديث الثقلين وغيره ..
* لما رأى الإمام الحسن الناس في شك وارتياب في معرفة الحق بسبب ما قام به معاوية من وسائل تشويهية – وقد ذكرناها سابقاً – إضافة إلى إضفاء الشرعية له ولأهل بيته عبر جميع وسائله وحيله التي استخدمها، وكذلك جهل الكثير من الناس بالوعي السياسي وبواقعهم وبالمؤامرات التي تحاك ضد الإسلام وأهله، أراد الإمام الحسن أن يفضح ويكشف للناس جميعاً سياسات بني أميه التي تسعى إلى طمس تعاليم الإسلام، لهذا قبل الإمام الحسن بالصلح وبالبنود التي اشترطها وهي :
1 – أن يعمل فيهم بكتاب الله وسُنَّة رسوله، وسيرة الخلفاء الصالحين.
2 – ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهدَ إلى أحدٍ من بعده عهداً، بل يكون الأمر بعده للحسن ثم لأخيه الحسين.
3 – الناس آمنون حيث كانوا في شَامِهم، وعِرَاقهم، وحِجَازهم، ويَمَنِهم.
4 – إن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم، ونسائهم، وأولادهم.
وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله على أحدٍ من خلقه بالوفاء وبما أعطى الله من نفسه.
5 – على معاوية أن لا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله، غائلةً، سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أُفُق من الآفاق..
قلت : إذا ما نظرت إلى هذه البنود التي ذكرتها مصادر التأريخ سوف تعلم الأسباب التي دعت الحسن إلى الصلح وهو الموقف الصحيح والتصرف الحكيم وفق معطيات الظروف فقد تعاطى مع موقفه بفقه الواقع، إلا أن معاوية سرعان ما نقض ونكث بكل بنود الصلح باعترافه هو حيث قال:” يا أهل الكوفة إني ما قاتلتكم لتصلوا وتصوموا، وإني أعلم أنكم تصلون وتزكون، ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم، وهذه شروط ” الحسن ” التي أعطيتها فهي تحت قدمي هاتين ” (1)،البداية والنهاية لابن كثير [140/8] وشرح النهج [46/1] إذاً لولا الصلح لما انكشف معاوية وظهرت حقيقته .
وأما خروج الحسين على يزيد فليس لأجل كشف حقيقته، لأن يزيد قد اشتهر بكفره وفجوره، وهو سيئة من سيئات والده الذي جعله ولي عهده، وعمل على أخذ البيعة له من الأمصار والولايات كي يمهد له في حياته كما ذكر ذلك الطبري وغيره، فالناس كانوا قد انكشفت لهم حقيقة بني أمية، ولكن ضعف الإرادة وضعف الهمة والعزيمة والخنوع والجمود الذي أصابهم ناهيك عن انشغالهم بالشهوات كل ذلك منعهم عن الالتحاق بركب الحسين، فكان لابد لهم من هزة قوية توقظ ضمائرهم، ولهذا كان استشهاد الإمام الحسين حدثاً خطيراً هز القلوب وأيقظ العقول وفتح الباب للثائرين وثوراتهم إلى زمننا هذا، فلولا صلح الحسن وثورة الحسين لانطمس الإسلام واندرس الدين وقواعده، فصلح الحسن كان ثورة تمهيدية لثورة الحسين الكبرى، فلا تناقض بين موقف الحسن وموقف الحسين، بل هما موقفان صحيحان فرضت كل واحد منهما ظروفه الآنية، لكنهما يسيران على خط واحد وهدف مشترك، وهو الحفاظ على رسالة الإسلام والدين المحمدي الأصيل، وحماية الأمة من كل الانحرافات التي أصابتها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..
وأخيراً أقول :
إن أمير المؤمنين علي – عليه السلام – في جميع حروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين، وإن الإمام الحسن في صلحه، والإمام الحسين في ثورته، لم يبحثوا بما قاموا به عن دنيا ولا مناصب، وإنما أرادوا بذلك أن يحافظوا على الإسلام – الذي أراد بنو أمية إزالته – ويقيموا العدل والمساواة، والحفاظ على الدين المحمدي، لأنهم يعلمون جيداً أن الظالمين لو حكموا الأمة لأفسدوا في الأرض وأهلكوا الحرث والنسل وقضوا على الإسلام .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل….

https://t.me/Adnan_Algonied

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى