رملة بكت القاسم… وأمي بكت مؤيد حتى اللّحاق به

بقلم _ إنتصار الماهود

لا شيء يفوق ألم الأم حين تفقد وحيدها، ذلك الألم الذي لا يهدأ مهما مرّ الزمان، بل يتجدد مع كل ذكرى وكل نداء وكل بيت من قصيدة. أمي، التي لم تنجب غير مؤيد، عاشت هذا الحزن كما عاشت مولاتي رملة فاجعة القاسم بن الحسن عليه السلام، الشاب الطاهر، فلذة كبدها الذي خرج إلى المعركة في طف كربلاء وذُبح أمام عينيها، لتُخلد كربلاء كجرح مفتوح في قلوب الأمهات حتى اليوم.

والدتي ظلت بثوبها الأسود سنوات عمرها، تعاهد مؤيد ألا تخلعه، وأن تظل تبكيه حتى يضمها القبر إلى جانبه، وها هي وفت بعهدها، دفنت إلى جواره، بثوبها الأسود، وبقلبها المحترق.

لكن أمي ليست وحدها، فأمهات الجنوب العراقي، من ذي قار إلى العمارة، من البصرة إلى النجف وكربلاء، يعلمن هذا الحزن جيداً. منذ أيام الطاغية، حين كانت المقابر الجماعية تبتلع فلذات الأكباد، مروراً بسنوات الإرهاب والتفجيرات، وحتى ساحات القتال ضد داعش، قدمت الأمهات العراقيات أبناءهن قرابين للعقيدة والوطن، تماماً كما قدمت رملة القاسم، وكما قدمت زينب الحسين، وكما قدمت أمهات كربلاء رجال الحق.

الأم العراقية لا تزرع في أبنائها الحزن فقط، بل تغرس فيهم حب الحسين، وتعلّمهم منذ نعومة أظفارهم معنى العقيدة، وقيمة التضحية، وحقيقة أن الدماء طريق لحفظ الكرامة والوطن. في بيوت الجنوب، لا يخلو مجلس من روايات كربلاء، ولا تخلو جداريات المنازل من صور الشهداء، يكبر الأبناء وهم يرددون: “لبيك يا حسين”، ويعلمون أن الدفاع عن الأرض والعقيدة امتداد لتضحية القاسم وأصحاب الحسين عليهم السلام.

وهكذا، يبقى صوت الأمهات يعلو بالبكاء حين تزف الشهادة، لكن قلوبهن تظل ثابتة، تربي رجالاً يسيرون على درب مؤيد، ويجددون عهد كربلاء في كل زمان ومكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى