صلاة الإمام الحسين (عليه السلام) المعراجية في يوم عاشوراء

بقلم _ د. محمد العبادي

بدأت الرسالة المحمدية بسجدة في غار حراء، وبلغت ذروتها بسجدة على تراب كربلاء. وكما كان الإمام علي عليه السلام يرقب أوقات الصلاة وقت الحرب؛ كان الحسين عليه السلام يتشوق لإقامتها، ولما كان يوم عاشوراء نظر الإمام عليه السلام إلى دلوك الشمس عن كبد السماء، وقال: « سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي» ففعلوا .
ما أجملها من صلاة كان المؤذن لها علي الأكبر ، والإمام الذي يؤمهم هو الحسين عليه السلام ، وما أروعها من صلاة أقامها سيد الشهداء وهو يؤم الشهداء .
يا له من مشهد يفوق الوصف ويعجز البيان أمام تلك الصلاة العاشورائية المعراجية التي يقوم سبط النبي وريحانته بأدائها مودعاً، إنّها صلاة الخلود التي عرج فيها نحو سدرة المنتهى وهو على بوابة الشهادة.
لم تكن تلك الصلاة مجرد ركعات على رمال كربلاء الملتهبة؛ بل كانت موقفاً مبدئياً يخترق الزمن وتتحول فيه العبادة إلى تجل أسمى للثبات العقائدي والتوحيد الخالص واليقين الراسخ .
لقد وقف الإمام الحسين عليه السلام يصلي لا ليؤدي واجباً شرعياً وفقط؛ بل ليؤكد أنها جوهر الاستقامة والثورة ، وأنها هوية وإعلاناً روحياً لبقاء القيم .
لقد ودع الإمام الحسين عليه السلام الدنيا بالطمأنينة والتكبير، وكان يكتب التاريخ معلناً بأنّ الصلاة أقوى من السلاح، وأنّها تزن الدنيا كلها بعد أن خطها بدمه، وأتمها بسجوده الأخير.
إنّها صلاة قد أداها سبط الرسول الأكرم في تلك البقعة المباركة وتحت ظل السيوف والرماح.
إنّها صلاة رددتها الشفاه الذابلات، والصدور المثخنة بالجراح، قد عرجوا فيها لا من محراب؛ بل من ميدان المعركة وعلى رمل محموم بدماء الأحبة .
إنّها صلاة الشهداء الذين كانوا حين يركعون؛ كانت الأرض كلها تركع معهم . وحين يسجدون تسجد معهم الرسالة، وكان كل في مقامه ساجداً قبل أن يسجد.
لقد كانت تلك الصلاة هي الذكر الأكبر، والإلياذة الخالدة التي جسدت عمق الإنتماء لدين الله . إنّها نشيد السماء على أرض كربلاء، وملحمة العشق التي فاقت ما تكتبه الأقلام حيث أصبح كل شهيد عبارة عن آيات قرآنية قائمة تُتلى إلى يوم القيامة . نعم إنّها صلاة لا تمحوها الأيام، بل نقشت في جبين الدهر، وسجلت في ذاكرة السماء، وصارت حجة على من يأتي بعدهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى