كربلاء الحسين… ثورة متجددة وملهمة لمواجهة الطغيان في كل زمان ومكان

بقلم  _محمد علي الحريشي

كربلاء الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، لم تكن محطة تاريخية عابرة سجلت واحدة من أعظم الثورات التاريخية في وجه الجبروت والطغيان، بقدر ماكانت ثورة ملهمة تتجدد جذوة شراراتها في نفوس المؤمنين والأحرار في كل زمان وفي كل مكان، كربلاء الحسين لم تكن معركة عسكرية فحسب غير متكافئة بين ثلة مؤمنة محتسبة صابرة، جمعت بين كل معاني التضحية والفداء والصبر على البلاء وتسلحت بروح الإيمان الذي لاتهتزله قلوب ولاترتجف له مشاعر، بين فئة مؤمنة توكلت على الله سبحانه وتعالى وإرتبطت به ومن أجل دينه وحرية عباده المؤمين وكرامتهم، في خروجها ضد الطغاة والظالمين والمنحرفين برسالة الإسلام، والإمام الحسين يعلم النتائج من خروجه غير المتكافىء ومواجهاته العسكرية الصفرية- من حيث المقاييس المادية العسكرية- لاتعطي أبسط أبجديات المناورة أمام فئة طاغية متكبرة متجبرة، جمعت العدد والعتاد وهيلمان السلطة والمال، وحشدت الألاف المؤلفة من جند النفاق والإرتزاق، الذين ماخرجوا إلا لنيل مكاسب دنيوية من أساطين الطغيان الأموي السفياني، لكن رغم إختلال موازين القوى وفي مسرح عمليات قتالية سالبة–بالنسبة للإمام الحسين ومن معه– لاتتوفر فيها أية عوامل لكسب المعركة، قرر الإمام الحسين بن علي عليه السلام ومن معه من أهل بيت النبوة ومناصريه وهم بضع وسبعون نفراً، خوض المعركة أمام جحافل الطغيان الأموي، رغم ماحل بهم من عناء السفر وتكبد مشاق الطريق الصحراوية القاحلة، ورغم ضيق الحال وقلة الزاد وإنعدام الماء، وهم في مسرح عمليات محاصرين من كل إتجاه وليس هناك بصيص من أمل، في الحصول على نجدة أو مدد يأتي إليهم من أية مكان وسط تلك البيئة الصحراوية، التي زاد قحالتها الظلم والطغيان الأموي، وزاد من بشاعتها الخذلان الذي أصاب أمة الإسلام في ذلك الزمان، رغم قرب عهدهم ببزوج فجر رسالة الإسلام، لم يعقد الإمام الحسين ومن معه من المؤمنين الأمل، على فزعة أو نجدة من أحد ممن حسبوا أنفسهم مؤمنين ومسلمين، على إمتداد بلاد جزيرة العرب ومايحيط بها من بلدان أصبح أهلها مسلمين، بل توكل على الله وهو حسبه، كانت ثورته ضد الظلم والظالمين والمنحرفين برسالة الإسلام، ولم يطلب المدد والعون إلا من الله سبحانه وتعالى الذي يتولى أمر المجاهدين المؤمنين، لم يخض الإمام الحسين ومن معه من المؤمنين المعركة، إلا ليبصروا الأجيال القادمة من المؤمنين والأحرار في كل زمان ومكان، بالطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكوه في مواجهة الطغاة والعتاة والمتكبرين والظالمين،لم تكن معركة كربلاء التي ضحى فيها الحسين عليه السلام بروحه ومن معه شهداء، غير الشرارة الأولى التي قضت على إمبراطورية الشر والطغيان الأموي وهوت بها في مزبلة التاريخ، فكانت كربلاء هي المسمار الذي نهش جسم الإمبراطورية الأموية السفيانية، وولدت على إثرها ثورة الإمام زيد بن علي عليه السلام.
هاهي كربلاء تتجدد في زماننا هذا وفي هذه الأيام الحرم في أرض فلسطين المقدسة-في غزة-، الأدوات هي نفسها تلك الأدوات التي دفعت بمجاهدي الشعب الفلسطيني في الخروج على الظالم والمحتل ومن يقف خلفه من قوى الطغيان والنفاق، في يوم 7أكتوبر/تشرين أول 2023،المبادىء هي نفس المبادىء، وموازين القوى هي نفسها في إنعدام الموازين وفارق التسليح والإمكانيات لصالح أعداء الله، كرباء الحسين بالأمس هي المدرسة الثورية الملهمة وهي الشرارة التي يجب أن تغرس في نفوس كل المؤمنين والأحرار، ومابين كربلاء الحسين،وكربلاء غزة، إستلهم المؤمنون والأحرار عشرات ومئات الثورات على فترات من التاريخ.
ونحن نقف على مشارف ذكرى كربلاء الحسين عليه السلام، بقدر مافيها من دروس وعبر، نستذكر أنه من الواجب أن نتأمل في كل مايتصل من حفاوات نمطية روتينية نشاهدها كل عام في أيام عاشوراء، ونجعلها حفاوة وإحتفال بشكل آخر، كما أراده الإمام الحسين بن علي عليه السلام، لأمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إحتفال وحفاوة مستلهمة من الأهداف السامية التي رسمها الإمام الحسين عليه السلام، في ثورته وخروجه على الظالمين، حفاوة وإحتفال بذكرى عاشوراء الحسين، ترسى على مبادىء الإعداد لمواجهة أعداء الله، الإعداد التربوي والإيماني والجهادي، وبالتدريب والتسليح والتصنيع العسكري، والوقوف أمام الطغاة والظالمين، وليس على نمط البكاء على الأطلال والندم على مافات من تخاذل وخسران، وماشكله مجاهدوا ومؤمنوا المقاومة الإسلامية في فلسطين وفي لبنان، وما قام به مجاهدو اليمن وإيران والعراق طيلة العامين الماضيين، أمام الطغاة والظالمين والمحتلين، هو أسمى مظهر من مظاهر الإحتفال بكربلاء الحسين،لأن الإمام الحسين عليه السلام هو أرد من ثورته وخروجه على الظالمين، أن يسلك المؤمنون نفس الطريق والمنهج والتضحية أمام المستكبرين والطغاة ،لا أن يقفوا مكتوفي الأيدي، يندبون حضهم ويعاقبون أجسامهم العارية بالسلاسل والسياط.
ثورة الإمام الحسين لم يستلهمها المؤمنون من المسلمين فقط، بل أن هناك ثورات عديدة في العالم من غير المسلمين، إستلهم ثورة الإمام الحسين، كما حدث في مقاومة جنوب أفريقيا للنظام العنصري الغربي المحتل لجنوب أفريقيا، وكما صرح بذلك المناضل «نيلسون مانديلا»، وإستلهمها ثورار في أمريكا اللاتينية أمثال« جيفارا» و «فيدل كاسترو»، وقد شاهدنا أثر تلك الثورات ونتائجها في جنوب أفريقيا وفي أمريكا اللاتينية، على مواقف تلك الدول المتضامنة مع الشعب الفلسطيني في غزة، فقد كان لمواقف حكومات جنوب أفريقيا وكوبا وأسبانيا، وعدد من حكومات أمريكا اللاتينية مع مظلومية أبناء غزة، أعظم وأفضل من مواقف أقرب المقربين بفلسطين من العرب والمسلمين.
أنه من الأفضل والأجدى أن يستلهم العرب والمسلمين، الدروس من ثورة الإمام الحسين عليه السلام، لمواجهة الطغيان والجبروت الأمريكي والصهيوني والصليبي، الذي يستهدف الوجود الحضاري والديني والثقافي والإقتصادي العربي والإسلامي برمته، وهكذا تتجدد مدرسة ثورة إمام الشهداء وملهم الثوار والمظلومين، الإمام الحسين عليه السلام في نفوس المؤمنين والأحرار في كل زمان وفي كل مكان، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى