في غد الحسين.. حيث صمتت السيوف وتكلمت زينب

بقلم _ الأستاذة إيمان الشيباني

غدًا يُطلّ على الأفق يوم ليس كباقي الأيام، يومٌ احمرّت فيه الأرض من دماء الطهر، واهتزّت السماء لصيحة الحق. إنه يوم العاشر من المحرّم، يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، سيد الشهداء وسليل النبوة، الذي وقف وحده في وجه طغاة الأمة، ليجعل من كربلاء صرخة خالدة في وجه الظلم والانحراف.

في مثل هذا اليوم، لم يكن الحسين وحده. فقد كانت هناك امرأة تقف خلف خيام الوداع، امرأة لا يختصرها وصف ولا تحتويها صفحة، إنها زينب الكبرى عليها السلام، التي ما أن سقط أخوها الحسين على الرمضاء، حتى نهضت بمقام النبوة، وارتقت إلى عرش البلاغة، وأعلنت أن الدم لا يُهزم.

لقد كان يوم الشهادة يومين في آنٍ واحد: يوم دماء ويوم كلمات. الحسين عليه السلام نطق بالدم، وزينب عليها السلام نطقت بالحقيقة. وبين السيف واللسان، انتصرت الرسالة.

زينب لم تكن مجرد أخت شهيد، بل كانت حارسة كربلاء، وراوية الفاجعة، ومزلزلة عروش الطغاة من كربلاء إلى الكوفة فدمشق. في مجلس يزيد، لم تنكسر، لم تضعف، لم تتلعثم، بل وقفت كأنها علي بن أبي طالب يتكلم، وقالت كلمتها الخالدة:
“فَكِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، وَنَاصِبْ جُهْدَكَ، فَوَاللهِ لَا تَمْحُو ذِكْرَنَا.”

وهكذا، حين خمد صوت المعركة، ارتفع صوت العقيلة. وحين انطفأ وهج السيوف، اشتعل نور البيان. فكانت زينب، في اليوم التالي لكربلاء، الإمام الناطق، والداعية الثائرة، والأم الحنونة على يتامى الشهادة.

غدًا، حين تبكي العيون وتلطم الصدور، فلننسَ لحظةً واحدة أن هذا اليوم لم يكن يوم الهزيمة، بل كان يوم الانبعاث. ويكفينا أن نقول: لولا زينب، ما بقي الحسين، ولولا الحسين، ما عرفت زينب كيف تقول: “ما رأيتُ إلا جميلاً.”

سلامٌ على الحسين في يومه،
وسلامٌ على زينب في قيامها.
وسلامٌ على كل قلبٍ يذوب عشقًا في كربلاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى