التمدد الصهيوني داخل سوريا
بقلم _ إسماعيل النجار
التمدد الصهيوني داخل سوريا ينذر بمستقبل غير محمود لوحدة البلاد ويهدف إلى الضغط على الحكومة السورية المؤقتة لتوقيع إتفاق سلام مع تل أبيب والتنازل عن الجولان وأحواض المياه السبعه. فالمخطط خطير جدًا، ويتناول بُعدًا استراتيجيًا حساسًا في معادلة الصراع في المنطقة، وتحديدًا مستقبل سوريا في ظل أي تغير جذري، بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. لذلك يجب أن نفهم ما قد تفعله (إسرائيل) في قلب العروبة النابض بعد هذه الأحداث المستجدَّة، وعلينا أن نأخذ على محمل الجَد أهدافها ومخططاتها، وتفسير لماذا تهتم إسرائيل بالتمدد باتجاه العاصمة دمشق .وما هي مخططاتها في سوريا بعد سقوط الأسد؟ربما على الأرجح ستركّز على عدة أهداف.
أهمها منع إيران وحزب الله من ملء الفراغ وإبعادهم عن حدودها الشماليه.
فتل أبيب تعتبر الوجود الإيراني في سوريا (كالحرس الثوري، والميليشيات الشيعية) تهديدًا إستراتيجيًا مباشرًا لها.
لذلك بعد سقوط نظام الأسد، سعت إلى الضغط سياسيًا وعسكريًا لمنع تموضع هذه القوى على الأراضي السورية مجدداً وخصوصًا في الجنوب. وخلق منطقة عازلة فيها على امتداد الحدود. فدفعت باتجاه تشكيل منطقة نفوذ أو منطقة آمنة (من درعا حتى أطراف دمشق)، إما عبر فصائل محلية أو بدعم دولي، لمنع أي تهديد مباشر من الجولان المحتل.
(إسرائيل) أمنت السيطرة المعلوماتية والاستخبارية الواسعه لها وأصبحت نشطة جدًا في جمع المعلومات داخل البلاد، وأصبحت تمتلك شبكات واسعة من العملاء هناك. وسعت أيضاً إلى تعزيز تغلغلها الاستخباري لضبط أي تحركات تهدد أمنها. ومارست الضغط المتعدد الوسائل لتفكيك ما تبقى من البنية العسكرية السورية السابقه مثل وسائط الدفاع الجوي والطيران المقاتل والحرب الألكترونية وسلاح الصواريخ البالستية والدبابات.
الجيش العربي السوري كان يمتلك صواريخ إستراتيجية وأسلحة نوعية كانت ترى فيها (إسرائيل) تهديدًا كبيراً لأمنها القومي ومن شأنه مساعدة حزب الله وآخرين على تشكيل خطر كبير على الداخل الصهيوني لذلك قامت بتفكيك هذه الترسانة عبر تحالفات دولية أو عبر عمليات دقيقة قامت بها بنفسها.
الجهد الصهيوني اليوم يَنصَب حول إعادة توجيه علاقات سوريا نحو محور “الاعتدال العربي” والتطبيع معهم.
فاستغلت الفراغ السياسي لتشجيع نشوء هذا النظام الجديد ليكون أقرب إلى الغرب أو إلى الدول العربية المتصالحة معها، كالإمارات أو الأردن وغيرهم من الدوَل المنبطحه. من هنا كان اهتمامها بالتمدد باتجاه دمشق وريفها. فدمشق تعتبر قلب القرار السياسي والعسكري. والسيطرة أو النفوذ عليها يعني إمكانية التأثير على مستقبلها السياسي.
دمشق اليوم في ظل النظام الإرهاب الجديد تحتضن مقرات القيادة للجيش والأمن، وهي حاسمة في أي تسوية.
وريف دمشق يُعتبر عقدة طرق إستراتيجية بين مفاصل داخليه مهمة للبلاد. كونه يربط الجنوب السوري (درعا، القنيطرة) بالشمال والوسط، ما يجعله هدفًا استراتيجيًا لأي جهة ترغب في فرض نفوذها أو منع تحركات الخصوم. كما يؤمن حماية للجولان من محور دمشق – بيروت. وريف دمشق هو نقطة وصل بين حزب الله في لبنان والعمق السوري العلوي. لذلك إضعاف هذا المحور من مصلحة (إسرائيل). فالتمدد باتجاه الريف قد يكون أيضاً هدفًا لحماية حدودها الشرقية من أي تحرك ثلاثي (إيراني – سوري – عراقي_ لبناني) في المستقبل القريب ويتحكم بالمعابر والموارد لهؤلاء من وُجهَة نظر (إسرائيل).
في ريف دمشق يوجد مناطق تضم مصادر مياه (مثل وادي بردى)، وهي شريان حيوي للعاصمة، وقد تسعى إسرائيل للتأثير عليها سواءً بشكل مباشر أو عبر وكلاء.فنفذت هذه المخططات عبر الضربات الجوية المتكررة، خاصة على البنية التحتية المتبقية للجيش العربي السوري وإيران وحزب الله واستعانت بفصائل محلية موالية لها ضمنياً مثل وحدات “الجيش السوري الحر” أو حتى جماعات ذات طابع سلفي متشدد لمساعدتها.
روسيا ليست خارج اللعبة وأمريكا أيضاً فالكل يعمل لتأمين مصالح العدو الصهيوني في بلاد الياسمين في أي تسوية مقبلة عبر نشاط استخباري مكثف في محيط دمشق لتحذير تل أبيب من اي خطر داهم!. لذلك فإن كل ما قامت به تل أبيب يمنع قيام أي تهديد مستقبلي من دمشق أو جنوبها. والتمدد باتجاه العاصمة وريفها جزء من محاولة السيطرة على مراكز القرار، وقطع الطريق على إيران وحزب الله في المستقبل للعودة الى سوريا وضمان أن يكون المستقبل السياسي والعسكري لسوريا أقل عدائية تجاه إسرائيل.
بيروت في … 6/7/2025