واشنطن تخذل جعجع…
بقلم _ ريما فارس
وصل الموفد الأميركي توماس براك إلى بيروت محمّلاً بمقترحات لتقييد سلاح حزب الله، مستخدمًا لغة دبلوماسية مبطّنة بمعادلة: “الدعم مقابل التنازلات”.
لكن الرد اللبناني جاء موحّدًا وحاسمًا: لا تفاوض خارجي حول السلاح، والحل محصور بالحوار الداخلي فقط.
براك فوجئ بالموقف السيادي اللبناني، الذي عبّرت عنه الرئاسات الثلاث، مجتمعة على أن السلاح شأن وطني لا يُبحث إلا بين اللبنانيين أنفسهم.
في المقابل، كان سمير جعجع يعوّل على هذا التدخل الأميركي لتحقيق مكاسب سياسية، مُعتقدًا أن البيئة الشيعية قد تتخلّى عن المقاومة بعد ما أصابها من خسائر ودمار.
لكن المفاجأة كانت مدوّية: البيئة نفسها التي استُهدفت، خرجت أشد تمسّكًا بخيار المقاومة. من فقدوا منازلهم وودّعوا أبناءهم، عادوا إلى الساحات ليعلنوا أن دماءهم لم تُسفك عبثًا، بل لتجدد العهد مع مشروع التحرير والكرامة.
فالمقاومة لم تنشأ من فوهة بندقية فقط، بل من حضن شعبٍ ربّى أبناءه على ثقافة العزة ورفض الاحتلال.
أما جعجع، الذي راهن على واشنطن، فوجد نفسه في العراء: خطابه التصعيدي لم يُقنع أحدًا، وإعلامه ارتد عليه، والدولة تكتلت في وجه طروحاته.
والمفارقة أن من يعطّل الحوار، ويراهن على الخارج، بات يزايد اليوم باسم الدستور والميثاق.
لا أميركا، ولا غيرها، تملك أن تفرض خيارات على اللبنانيين، ولا أن تنتزع قرارًا وطنيًا يُولد من إرادتهم وحدهم.
السلاح الذي يطالبون بسحبه ليس بندًا تفاوضيًا ولا ترفًا سياسيًا، بل نتاج تاريخٍ من المجازر والصمود.
إنه سلاح حملته أمهات دفنّ أبناءهن، ثم عدن ليصنعن به معادلة الردع. سلاحٌ لم يُشهر يومًا في وجه الداخل، بل ظلّ موجّهًا نحو عدو لا يزال يتربّص بلبنان منذ ولادته.
هذا السلاح هو صمّام الأمان الوحيد لبقاء لبنان على خارطة السيادة والكرامة، وكل محاولة لتجريده أو تحييده، لا تخدم إلا مشروعًا واحدًا: إسقاط هذا الوطن من داخله.
وكلما اشتدّت الضغوط، ازددنا تمسّكًا به…
لا لأننا نعشق السلاح، بل لأننا نعرف تمامًا ما ينتظرنا إن فرّطنا فيه: العودة إلى زمن الهزائم والانكسارات.
نحن لا نقدّس السلاح… نحن نقدّس الوطن الذي يحميه هذا السلاح.
ومن لا يملك بديلاً حقيقيًا لحمايتنا، لا يحق له أن يطالب بنزع ما تبقّى من كرامتنا.