الويل أبو البثور – خلونا بالعقل الجمعي – كلنا عباقرة – فلماذا عقولنا ممزقة ؟؟؟
بقلم _ علي عنبر السعدي
كنا قد إنتهينا للتو من مشاهدة أحد الإفلام الأمريكية عن حرب فيتنام، حيث يظهر فيه بضعة جنود أمريكيين يبيدون كتيبة فيتنامية كاملة، ثم يخرجون من الأدغال بأقل الخسائر.
سألني صاحبي والبراءة في عينيه: “أكَولك هو من انتصر بفيتنام؟”
فقلت له بعد شحن صوتي بكمية من الجدية: الأمريكان طبعاً، مو شفت الفيلم بعينك؟ بعد شنو تسأل؟
المعروف لنتائج تلك الحرب، إنه الأمريكيين تعرضوا لهزمية مذّلة، فهربوا من فيتنام بطريقة مازالت ماثلة، لكن مخرجي هوليود قلبوا الأمور، تماماً كما فعل الإعلام العراقي في”أم المعارك” ومايفعل الإعلام العربي اليوم.
حينما تقرأ ماينشر على صفحات التواصل بأقلام عراقية – وعربية عموماً – تجد الجميع في مستوى العبقرية، تحليلاتهم تكتسب درجة القطع واليقين، ومايقولونه لايترك زفرة لنفس يشعر بالضيق، كل شيء في مكانه، كل شيء مُحلل بدّقة، وخلاصته: إن مايجري في العراق تسببه المحاصصة، ونقص المناعة في العقل الجمعي وغياب الوعي–الكاتب لايشمله ذلك طبعا–أما المواطنة، فهي كسيحة عليلة والفساد مستشر، وهكذا، ينظف يديه بعد أن أتحفنا بنظرة عينيه.
ولما كان عدد الكتاب، أكثر من عدد المواطنين، بل تحت شعار”كل مواطن كاتب” وكلهم صاحب رأي سديد وعقل رشيد، لذا يفترض إننا بخير، فلماذا نرى عكس مانقرأ أو نسمع؟؟
ولأنني كذلك من معشر”الكواتيب” وأضرب رأياً لايخيب، لذا أقول لنفسي: أخي الكاتوب العظيم، الا ترى أنك تخلط مابين المفاهيم لتستخرج مخلوقاً مشوهاً كبطل رواية ماري شيلي “فرنكشتاين”؟
فأنت تتحدث عن النقص في المواطنة، فتخلطها مع الوطنية باعتبارهما واحداً، لكن ياعزيزي ،المواطنة مفهوم حقوقي دستوري يساوي فيه بين المواطنين – على مايفترض – وهذا المفهوم أقرّ منذ القانون الأول عام 1925، ولم يخرج عن كل الدساتير المؤقت منها والدائم الحالي، فكلها ساوت نظرياً بين العراقيين ومنحتهم صفة المواطنة والحقوق الدستورية – وليتها لم تفعل، فبإسم المواطنة، انتهكت حقوق وسلبت كرامات وأهدرت ثروات، ولو حددت الدساتير حصصاً لكل مجتمعية بإسمها الصريح، فلربما اختلف الأمر. أما الوطنية، فتلك تعني بالمفاهيم الشعورية والانتمائية والسياسية، أي كل مايربط الإنسان بوطنه ويجعله يعمل من أجله، وهذه هي من تعاني الخلل نتيجة لتعدد النظر الى العراق منذ البداية، حين اشتغل الفكر السياسي على جزئية العراق، فهو جزء من: أمة اسلامية أو عربية – وبشكل أقل أممية- وقد تطاحن التجزيئيون ضد بعضهم البعض، وداخل كل جزيئية كذلك، فضرب القوميون بعضهم كما ضرب الاسلاميون، وكل من هؤلاء ضرب الاخر مصحوبا بكمّ هائل من التخوين باللاوطنية والارتباط بالخارج – الخ،وهكذا تشظت الوطنية الى جزئيات يصعب جمعها ولصقها من جديد، الا ضمن رؤية جديدة تنظر للمكونات العراقية بشكل ليس كارثياً، ومن ثم تستطيع تحويل الانطلاق مما يعتقد انه سبب الكارثة “كالمحاصصة مثلا” الى اتخاذها مداميك بناء.
عندها سيجد”العقل الجمعي” مايستند عليه، رغم ان مفردة العقل الجمعي، تبدو مغيبة هي الأخرى، حيث يرتبط وجوده بـ”الرأي العام” وهذا بدوره له شروطه ومتطلباته كي ينمو ويتطور.
خلاصة القول: العراق وعلى الرغم من كل مايشهده، فإنه يحمل الكثير من مقومات “الشعوب الحيّة”أي قدرته على النهوض، ومايحدث فيه ليس شاذاً واستثنائيا، فقد شهدت الشعوب ماهو أشدّ وأدهى، وعلى رغم مايبدو على السطح من اسوداد ودخان، هناك ما مايتشكل وينمو بهدوء، بعيداًعن كل هذا الضجيج.