“لن تمحوا ذكرنا”..!
بقلم _ كوثر العزاوي
ليست مجرد كلمة، إنها نبوءةُ عارِفة.
أسّست لمبدأ خالدٍ من جوهر التوحيد.
عندما أتمَّت صلاة العشقِ من جلوس، ارتشفتْ تسابيح الشوق من نبع هيامها، جرعةُ ثباتٍ من توحيد بارئها، ثم طفقت تلَمْلم شَتاتَ أهْوالِها، أزاحت ستار أنينها لِبوحٍ هادر، تلفّعت بعباءة عفتها المعتّقة بالصبر، رفعتْ هامَ عزّة علويّتها، لبْوَة بتُولة، نهضت وفي قلبها يتخندق الصبر، وفي مخيّلتها ترتسم صور الفجيعة، زرعت فؤادها في أرض الطف، ووسّدت روحها الثكلى على ضفة العلقمي، ثم أدبرت مُولّية، وأنظارها معلّقة إلى الوراء، تناجي أطياف مَن تقطّعوا إرَبًا بأسياف الحقد الأموي.
كانت تعدّ القوة لمواجهة خصمها المترنّح بنشوة النصر، لتذَرَ في عينَيه رماد الهزيمة أثناء السَّبْي، فتسحق أوهامَهُ، وتُحبط خدعة الشماتة، بإظهار جوهر حقيقة “ما رأيتُ ألّا جميلا”!. إذ كُشفَ لها الأجمل ببصيرة الملتاع، فبان لبصرها، وكأنّ مجازر الآل وَاحةُ خضراء في جنب الله ، لا فلاةَ طفّ ودماء.
وفي محضر السيف والطاغوت صدحتْ بها كلمة هَديلة بقسَم الموقنين، تَقدَّمهُ خطاب بلسان علويٍّ مبين، يشابِهٌ منطق الأنبياء، : {فَوَ اللهِ لن تمحو ذكرنا} إنّه قَسَمٌ من جوهر القرآن، ووهجٌ من النّبوة، وثمرة من الأمامة، وامتداد للرسالة.
فلا عجب والمتحدّثة ابنة عليّ وفاطمة، وأخت العباس! سجّلتها كلمة هادرة، خُطَّتْ على عمود عرش الله في عِظَمِ المصاب يوم العَبرَة، فجلْجلَ الكَون، وماجتْ الدنيا، وأمطرت السماء دمًا عبيطًا، لتبقى تلك الكلمة على مَرِّ الدهورِ، “عَبرة وعِبرَة”! لم تقُلها جزافًا، إنما ثمرة يقين، رسمت خطوطها بفجيعةِ القلب، وعَبرة مهراقة منذ الصبا.
فرسَخت خطبتها في عمق الخلود، حروف تشعّ نورًا، وتلتهب نارًا في الوجود، فغدت الكلمة منهجًا بحق، وباكورة مشروعٍ محمديّ حسينيّ، واضحةُ المعالم إلى يوم القيامة.
ومنذ يوم الطف أثبت الدّم انتصاره، وأكدتِ الكلمة خلود أهدافها ورسوخ مبادئها، تلك التي أسّست لها رائدة المسيرة بعد الحسين، العقيلة “زينب” إذ مضى النصر يلوح في أفق التضحيات نور على سارية الزمن، {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} المائدة ١٦
فلله درّك سيدتي! لقد حارت بمعناك الأزمان والأجيال، يازينب البطولة والطهر، وعباءة العفة والإيمان، ياعنفوان الأحزان، أنّى لك وكل تلك المصائب لم تلبث، حتى أنجبت ثورة خالدة “تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا”.!
١٣-محرم الحرام-١٤٤٧هــ
٨-تموز-٢٠٢٥م