سيادة البحر.. نار يمنية خالصة

بقلم _ بشير ربيع الصانع 

 

إنّ ما بثه الإعلام الحربي اليمني من مشاهدٍ حيّة، تبدأ بالإنذار وتنتهي بإغراق السفن، ليس مجرد عمل عسكري منضبط، بل هو فنٌ حربيٌ ناطق، واستراتيجية إيلام مركّبة، ومشهدٌ نادرٌ في تاريخ المواجهة الحديثة. فأن تُستهدف سفينة، ثم تُتابَع لحظةً بلحظة، من التحذير إلى التنفيذ، ثم تُغرق بالكامل أمام أعين العالم، لهو حدثٌ يتجاوز دقته التقنية، ليصنع ملامح مرحلة عسكرية جديدة عنوانها: صنعاء تفرض البحر.. لا تفاوض عليه.

 

لقد بات واضحًا أن اليمن انتقل في إسناده لغزة من مرحلة الرد والردع إلى مرحلة المبادرة والتأديب، ومن الصمت الاستراتيجي إلى الرسائل الصارخة. ليس بالصوت فقط، بل بهدير الصواريخ، وزئير البحر، وصدق الوعد.

 

الرسالة الأولى كانت واضحة كالشمس: أنّ موقف اليمن من غزة ليس موقفًا ظرفيًا، ولا نزعة حماسٍ لحظية، بل هو التزام إيماني، وخيار تاريخي لا رجعة عنه. كل سفينة تخترق قرار الحظر هي في مرمى الإغراق. وكل ميناء يمدّ الكيان بالمؤن والسلاح هو هدف مشروع. هذا ليس تحدّيًا لأحد، بل تطبيقٌ عملي لواجبٍ شرعي وأخلاقي وقومي.

 

الرسالة الثانية كانت أعنف مما تخيله العدو وأعمق مما توقعه الحلفاء: أنّ البحر الأحمر قد تحوّل فعليًا إلى مجال سيادة يمني. لم تعد تتحرك فيه السفن إلا بعينٍ على صنعاء. لقد سقطت الهيمنة الدولية من فوق مياهه، وذابت الأساطيل الأمريكية والبريطانية في الهامش، ليس لأنها لا تملك القوة، بل لأنها لا تجرؤ على استخدامها أمام بأسٍ يمنيٍّ صارم، يعلم متى يضرب، وأين يضرب، وكيف يجعل من الضربة درسًا باقٍ للأبد.

 

الرسالة الثالثة كانت ذكية ومدروسة: أنّ اليمن استطاع تحييد أمريكا والغرب عن البحر الأحمر، ليس بالدبلوماسية، بل بقوة الميدان. فالمصالح الاقتصادية، وخطوط التجارة، وشحنات النفط، أقوى من صراخ تل أبيب، وأغلى من دموعها الزائفة. صنعاء فهمت المعادلة، وعملت على أساسها: اضرب حيث الألم، لتمنعهم من التهور.

 

أما الرسالة الرابعة، فهي الجوهر العسكري الذي لا يُضاهى: أنّ اليمن لم يعد يُهدّد فقط، ولم يعد يكتفي بالإصابات المحدودة، بل أصبح يملك القدرة المؤكدة على الإغراق الكامل، وبالتوثيق الميداني الدقيق. من الطائرات المسيّرة التي تُلاحق الهدف، إلى عدسات الإعلام الحربي التي ترصد اللحظة، وصولًا إلى الانفجار، ثم الغرق، ثم الرسالة المغلّفة في صورة وصوت: “نحن هنا، ولن يُبحر عدوٌ دون إذننا”.

 

وما يثير الذهول حقًا، أن هذا الأداء العسكري محاطٌ بإيمان راسخ، ويقين ثابت، بأن ما يقوم به اليمن هو عبادة في ميدان المعركة، وسجودٌ بالبارود، وتكبيرٌ بالصواريخ. إنهم لا يحاربون من أجل الجغرافيا، بل من أجل قضية، من أجل مظلومٍ في غزة، من أجل وعد الله بالنصر، من أجل تطهير الأرض من رجس المحتلين والمستكبرين.

 

إنها مرحلة الإيلام المنظّم، والتأديب التكتيكي، والتحكم بالمجال البحري بكل أنواعه: اللوجستي، والاقتصادي، والعسكري، والنفسي.

 

لقد أدار اليمن معركته بوعي لم يُسبق له في تاريخ العرب الحديث، وجعل البحر منصةً لتسديد الحساب، ومنصةً لرفع راية فلسطين، ومنصةً لإعادة صياغة المعادلات الدولية التي كانت تكتب من واشنطن وتُنفذ من تل أبيب. اليوم تُكتب المعادلات من صنعاء، وتُنَفّذ على بُعد آلاف الكيلومترات من السواحل اليمنية.

 

العدو في مأزق، والحلفاء في حيرة، والعالم في صدمة، أما اليمن…

فهو مطمئن إلى الله، يمضي بخطى واثقة، لا يستعجل النصر، لأنه يعرف أنه آتٍ لا محالة.

 

ولله عاقبة الأمور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى