صـنـعـاء تُرعـب الإمـبـراطُـوريـات
متابعات/عبدالله علي هاشم الذارحي
كتب الإعلامي الفلسطيني’تجارة الكون’ في حسابه بمنصة “X ” المقال التالي:-
الحوثيون… كيف بنى الفقراء أعقد بنية ردع عسكرية في الشرق الأوسط؟
لماذا تجربة الحوثيين يجب ان تدرس…
هل جلست يومًا وفكّرت كيف تحوّلت جماعة محاصَرة، بلا مطارات ولا مرافئ، بلا اعتراف دولي ولا حتى رواتب منتظمة، إلى قوة عسكرية تجبر أمريكا على تغيير مسار بوارجها في البحر الأحمر، وتُخضع الإمارات للهجمات، وتدفع إسرائيل إلى إعلان الطوارئ؟
لا تتسرّع بالإجابة، ولا تستحضر الروايات السطحية عن “الدعم الإيراني” فقط. ما فعله أنصار الله في اليمن لا يُقاس بدعم، بل يُقاس ببناء. ببناء منظومة عسكرية مكتفية ذاتيًا داخل بيئة تُعدّ من أفقر المناطق على وجه الأرض، وتحت واحدة من أطول الحصارات الجوية والبحرية في التاريخ المعاصر.
لكن كيف بدأ كل ذلك؟ كيف انتقلوا من جبال صعدة إلى شواطئ باب المندب؟
وكيف نجوا من القصف اليومي لعشر سنوات ليصنعوا سلاحًا يهدد السفن الأمريكية؟
وهل هم مجرد ميليشيا تستورد سلاحًا، أم نظام ردع مُصنّع بالكامل داخل الأرض المحاصَرة؟
تعال نحكي القصة.
حين بدأت الحرب في 2015، كان أنصار الله يملكون بندقيات قديمة، وعتادًا بسيطًا، بينما السعودية والإمارات تملكان طائرات F-15 وF-16 وصواريخ باتريوت وأقمارًا صناعية استخباراتية.
بالحسابات التقليدية: الحوثيون يجب أن يُسحقوا في أشهر.
لكن ما لم يُحسب هو أن جماعة مقاتلة تربّت في جبال صعدة على مبدأ “الاكتفاء الذاتي أو الفناء”، لن تموت بسهولة. أول ما فعلوه أنهم حوّلوا كل قطعة سلاح غنموها إلى مختبر. كل درون أسقطوه، كل صاروخ لم ينفجر، كل قذيفة لم تنفجر… كانت تُفكك، تُدرس، وتُعاد صناعتها.
وهنا ظهر المفهوم الأخطر: الهندسة العكسية العسكرية تحت الحصار.
هل تصدّق عزيزي القارء أن جماعة لا تمتلك حتى الآن مطارًا مدنيًا واحدًا، نجحت في إرسال طائرات مسيّرة إلى مطار أبوظبي؟
نعم، حدث ذلك. أول مرة عام 2018، وآخرها بداية 2022. والأدلة مؤكدة حتى في تقارير رويترز وAP وواشنطن بوست، لكنها لم تكن صدفة.
في 2020، استخدم الحوثيون الطائرات المسيرة في تنفيذ واحدة من أدق الهجمات على أرامكو في جدة والرياض. هذه الطائرات لم تأتِ من إيران كما يزعم البعض، بل من مصانع تحت الأرض قرب صعدة، بحسب تقارير استخباراتية نُشرت في Breaking Defense وIISS، والتي ذكرت أن أنصار الله تمكنوا من إنتاج طائرات صماد-3 وواعد باستخدام مكونات مدنية جرى تحويلها عسكريًا.
بمعنى أوضح: لم يشتروا المسيّرات… بل “بنوا نموذجها ثم طوّروه”.
الحوثيين لم يكتفوا بهذا بل طوروا نموذجهم من الردع البحري و اصبحت صنعاء عقدة ملاحة عالمية!
ففي 2023، تحوّل الحوثيون من حركة مقاومة إلى طرف إقليمي يمسك بأحد أهم مفاتيح الاقتصاد العالمي: باب المندب.
ما إن بدأ العدوان على غزة، حتى أعلنت الجماعة منع مرور السفن المرتبطة بإسرائيل، وفعلاً نُفذت تهديداتهم.
سفن أمريكية وأوروبية ضُربت، وأخرى غيرت مسارها إلى رأس الرجاء الصالح، ما أطال رحلات الملاحة لأكثر من 15 يومًا إضافية وتسبب في رفع أسعار الشحن بنسبة تجاوزت 300%.
هل تفهم ما يعنيه ذلك؟
جماعة بلا دولة، بلا جيش نظامي، بلا أسطول، أرهبت حلف الناتو، وجعلت واشنطن تشن عمليات عسكرية ضدهم في البحر ولم تستطع إيقافهم.
السبب؟ أنهم لا يُقاتِلون من قواعد بحرية ثابتة، بل من منصات برّية متحركة، ومن زوارق ذكية، ومن سواحل يعرفون تضاريسها شبرًا بشبر.
وهنا ظهر مبدأ آخر: قوة الساحل المقاومة مقابل أسطول الدول الكبرى.
طبعاً الأمور تطورت لاحقاً والصواريخ الباليستية بعيدة المدى والتي تطلق من اليمن نحو وسط الكيان اصبحت قادرة على تفدي الرادارات، وبدء الداخل المحتل يستنزف بفعل هذه الضربات المباشرة.
اللافت كذالك أن حتى منظومة Arrow 3 الإسرائيلية فشلت في اعتراض اغلب الصواريخ، ما يعني أن الحوثيين امتلكوا تكنولوجيا مراوغة أو قدرة على التشويش، بحسب تقارير صدرت لاحقًا عن مركز RAND الأمريكي.
ببساطة: الصاروخ لم يعد ينطلق فقط… بل أصبح يعرف كيف يتفادى الرادار.
الختام: ما الذي حدث حقًا؟
الذي حدث هو أن الحوثيين نجحوا في خلق شيء لا تملكه 90% من الدول العربية:
•منظومة تسليح محلية التصنيع.
•بنية قيادة وتحكم مرنة تحت القصف.
•قدرة على الإيلام الاستراتيجي خارج حدود الجغرافيا.
•مبدأ الردع المتبادل: “نضرب فقط إذا ضُربنا… لكن ضربتنا تُوجع.”
الحوثيون طوروا كيانهم العسكري إلى نموذج يجب على كل حركة مقاومة أن تدرسه:
كيف تُقاتل دولة دون أن تكون دولة؟ وكيف تصنع الردع بلا ترسانة، ولا مظلة أممية، ولا نفط، ولا قاعدة؟
في زمن الطغاة المدججين بالسلاح الغربي، علّمتنا صنعاء أن سلاح الفقير إن صُنع بالعقل… يُرعب الإمبراطوريات.؛ ^