الثبات في زمن الفتن وسقوط الأقنعة

بقلم: د. محمد حسن الرقيمي

 

نحن اليوم نعيش في زمن تتقلب فيه الحقائق وتتبدد فيه القيم وتتزاحم فيه الأصوات ويعلو فيه الباطل بثياب الحق ويختلط فيه الصدق بالكذب وتضيع فيه البصائر بين ضجيج الأهواء ووسائل التضليل المتسارعة أصبح من السهل أن تختبئ الوجوه خلف الأقنعة وأن تتزين النفوس بما ليس فيها وأن تُبنى العلاقات على المصالح لا على الثوابت فصرنا أمام مشهد معقد يتطلب من كل ذي وعي وثبات أن ينهض بنفسه ويحصن عقله وروحه من الانجراف والضياع.

 

تنمية النفس في زمن كهذا ليست ترفاً فكرياً ولا مجرد حديث نظري بل هي ضرورة وجودية تبني بها الإنسان الذي يقاوم التيارات الهدامة ويصمد أمام الزيف ويظل متصالحاً مع نفسه مهما تغيرت الظروف إن من أراد الارتقاء بنفسه فليبدأ من الداخل من إعادة ضبط البوصلة الروحية من مراجعة النوايا وتثبيت القيم وتغذية القلب بالإيمان واليقين فالثبات لا يأتي من فراغ بل من جذور راسخة ومن ضمير حي يدرك أن الكلمة موقف وأن السكوت في زمن الفتن قد يكون خيانة.

 

اقرأ تعلّم ناقش لا تكن أداةً في يد الجهل ولا صدى لأصوات لا تعرف حقيقتها المعرفة اليوم لم تعد خياراً بل باتت درع النجاة في زمن تتلاشى فيه المسافات بين الكذب والواقع وتختلط فيه المفاهيم فلا تكن تابعاً بل كن قائداً لفكرك حرًا في قناعتك صادقًا في مسارك متيقظاً لما يُحاك حولك من زيفٍ قد يتجمل بألف قناع.

 

نحن في زمن الغربلة زمن تُمحّص فيه النفوس وتُختبر فيه المبادئ وتُكشَف فيه المعادن الحقيقية لا تنخدع بالأسماء ولا بالمظاهر فقد أصبح التلون سمة لكثير ممن حولنا وهناك من يتحدث باسم القيم وهو أول من يطعنها من الخلف من يدّعي الصلاح وهو يحمل بداخله خراباً لا يُرى بالعين بل يُلمَس في المواقف والتصرفات.

 

الأقنعة كثيرة والوجوه المزيفة أكثر والمواقف وحدها كفيلة بإسقاطها من يدّعي المبادئ سيسقط في أول امتحان ومن يتخفّى خلف المجاملات سيفضحه أول موقف حقيقي الزمن لا يحمي الأقنعة بل يفضحها والمحن لا تحني الرؤوس بل تكشفها.

 

كن أنت الصادق في زمن الكذب كن الثابت في زمن الريح لا تساوم على حقك لا تتخلى عن صوتك لا تجامل في دينك ولا تتنازل عن مبادئك من أجل إرضاء أحد فالحقيقة لا تتغير بمجرد أن يُنكرها الكثير والحق لا يُضعف بمجرد أن يُحارب.

 

صادق من يشبهك من يرفعك عند السقوط لا من يصفق لك وأنت تهوي من يدفعك إلى النور لا من يغريك بالبقاء في العتمة ابحث عن أهل القيم أهل المواقف أهل الثبات فإنهم عملة نادرة في زمن ازدحمت فيه الساحات بالمزيفين.

 

إن الأمة لا تنهض بالكثرة بل بالنوعية لا تقوم بالعناوين بل بالمواقف ولا تُبنى بالمظاهر بل بالثوابت فكن لبنة صلبة في جدار الحق لا تهتز أمام العواصف ولا تضعف أمام مغريات الباطل وكن نوراً يضيء الطريق في زمن انطفأت فيه كثير من المصابيح.

 

وفي الختام اعلم أن الثبات في زمن الفتن ليس بالأمر السهل لكنه مقياس الرجال ومعيار الصادقين وباب من أبواب العزة ووسيلة من وسائل النجاة فكن من الثابتين الصادقين في زمن سقطت فيه الأقنعة وارتفعت فيه الرايات الزائفة وتشوّهت فيه المواقف والبقاء سيكون لمن صدق وثبت وواجه وكشف ولم يخشَ في الحق لومة لائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى