“مصير الشيعة في لبنان في حال تسليم سلاحهم: بين فكي الجولاني والمارونية السياسية” وليس فقط إسرائيل.

"الجزء الثاني"

بقلم _ إسماعيل النجار

 

 

يشكل سلاح “حزب الله” محورًا حاسمًا في المعادلة السياسية والأمنية في لبنان. منذ انتهاء الحرب الأهلية، احتفظ الحزب بسلاحه تحت عنوان “المقاومة”، معلنًا أن السلاح موجّه ضد العدو الإسرائيلي وضمانة لردع أي عدوان. لكنّ الدعوات المتزايدة لنزع سلاح الحزب وتسليمه للدولة تطرح تساؤلات جوهرية، لا عن مستقبل “حزب الله” فقط، بل عن مصير الطائفة الشيعية بأكملها داخل تركيبة النظام اللبناني المتعدد والهش، وضمن بيئة إقليمية ودولية معادية في كثير من الأحيان.
ولقد نسيَ البعض أو تناسوا أن الشيعة تحت كنف دولة المارونية السياسيه عانوا من الظلم والتهميش إلى إستخدام القوة ضدهم!،
تاريخيًا، عانى الشيعة في لبنان من التهميش على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. قبل صعود “حزب الله” و”حركة أمل”، وكانت الطائفة تعاني من غياب الحضور في مؤسسات الدولة ومن ضعف في شبكات الخدمات والبنى التحتية. لكن منذ الثمانينات، وبفضل المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والتحالفات الإقليمية، تحوّل الشيعة إلى لاعب مركزي، لا بل محوري في المعادلة اللبنانية والإقليمية، وشكلَ سلاحهم عنصر توازن وردع في الداخل والخارج، حيث تم استخدامه كعامل حماية للطائفة وضمانة لعدم العودة إلى التهميش السياسي أو التعرّض للاستئصال ولم يستخدم هذا السلاح ضد أبناء الوطن لا بل كان ولا زال الضامن الوحيد من أي حرب أهليه لبنانية، لذلك إن ما يعنيه تسليم السلاح؟إفتراضاً سيناريو يتم فيه التسليم للدولة، فالمخاوف الشيعية لا تتعلق فقط بقدرتهم على الدفاع عن الجنوب أو الرد على إسرائيل، بل تتعدى ذلك إلى مخاوف وجودية داخل لبنان نفسه، لأسباب كثيرة منها غياب الثقة بمؤسسات الدولة اللبنانية التي ما زالت ضعيفة، ومخترقة سياسيًا وطائفيًا، ولا تُشكّل ضمانة حقيقية لأي طرف، فكيف تكون ضامنًا لأمن الطائفة التي طالما اعتُبرت “زائدة” في التركيبة؟.
ثانياً : تحالفات العداء الداخلية لبعض التيارات السياسية اللبنانية، خاصة ضمن “المارونية السياسية” القديمة، مثل الكتائب والقوات اللبنانية التي ترى في “حزب الله” والسلاح الشيعي حاجزًا أمام استعادة الهيمنة السياسية والاقتصادية لهم كما كانَ قبل الطائف.
ثالثاً: الخطر التكفيري: رغم تراجع هيمنة “جبهة النصرة” و”داعش” جغرافيًا في لبنان، إلا أن خطرهم ما زال كامنًا. فزعيم “النصرة” أبو محمد الجولاني، الذي أصبح رئيساً شرعياً لسوريا رغم تحوّله الخطابي الظاهري، لكنه لا يزال يحتفظ بعقيدة عدائية تجاه الشيعة كـ “رافضة”، ويؤمن بأنهم خصوم دينيون يجب قتالهم. ومع غياب أي قوة شيعية مسلّحة في لبنان أو سوريا، قد يعود هذا المشروع للتمدد من جديد وما جرى في الساحل السوري وحمص وحلب كان عبرة يجب الأخذ بها ولا يؤخذ بالكلام المعسول والتطمينات.
“الذبح” كرمز سياسي لا حِرَفي كما ذكرنا في جزأنا الأول من المقال بالأمس، فحين يُقال إن “الجولاني والمارونية السياسية سيذبحون الشيعة”، فالمقصود ليس بالضرورة الذبح بالمعنى الدموي المباشر فقط (رغم أن ذلك ليس مستبعدًا في مناطق النزاع)، بل الذبح الرمزي والسياسي والاجتماعي له عدة وجوه نتطرَّأ إليها على النحو التالي،،
الذبح السياسي: يبدأ في استبعاد الشيعة من مراكز القرار وإعادة تكريس النفوذ السياسي لما يُسمى القوى التقليدية، وخاصة في الرئاسة والأمن والاقتصاد.
الذبح الاقتصادي: ضرب بيئة المقاومة عبر العقوبات، تجفيف التمويل، رفع الدعم عن المناطق ذات الغالبية الشيعية، وتحويلها إلى بيئة فقيرة مستنزفة لا تستطيع إنتاج بديل. والذبح الأمني: في حال سُلم السلاح، من يضمن عدم استهداف القرى الشيعية من خلايا نائمة أو مشاريع “جهادية” تكفيرية في مناطق قريبة من الحدود؟ ومَن يضمن أن الأجهزة الأمنية ستتصرف بحياد أو تضمن الحماية؟ والجنوب أكبر دليل ها هو يُدَمَّر ويقصف والدولة متفرجة.أيضاً لدينا تجربة العراق وسوريا دروس يجب أن نتذكرها ،حين تم حل “الجيش العراقي” بعد الاحتلال الأميركي، وترك الطائفة الشيعية وحدها في مواجهة مشروع “القاعدة”، دُفن الآلاف من الشيعة في مقابر جماعية. وفي سوريا، حين ضعفت الدولة في بدايات الحرب، تمدد مشروع “الجهاد السنّي التكفيري” وارتُكبت مذابح طائفية في الساحل وريف حمص وإدلب، هل يمكن للبنان أن يعيد إنتاج هذا السيناريو إذا فُقد التوازن الردعي داخليًا؟في الخلاصة فليفهم الجميع أن السلاح هو عنصر حماية لا عدوان، والقول إنه سبب كل الأزمات في لبنان معناه أن قائله يتجاهل الواقع المعقّد. نعم، هناك أزمة نظام، وفساد، وانهيار اقتصادي، ولكن تحميل الشيعة وحدهم مسؤولية هذا الانهيار محاولة مكشوفة لإعادتهم إلى مربع الطاعة والتهميش.
في ظل غياب دولة قوية، وضمانات داخلية وخارجية حقيقية، فإن تسليم الشيعة سلاحهم يعني وضع رقابهم تحت سكاكين الخصوم: سواء كان هؤلاء يحملون اسم “الجولاني”، أو يلبسون ربطة عنق “كالمارونية السياسية”.فالسلاح ليس رفاهية، بل حاجة وجودية في مرحلة ما تزال الهوية الطائفية والدينية فيها هي الحاكمة للسياسات، لا دولة المواطنة،
سنبقى في كل ساح لن نترك السلاح.

بيروت في ،، 13/7/2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى