المديح لا يصنعك، والذمّ لا يهدمك..!

بقلم _ كوثر العزاوي

ليس أشدّ على النفس الإنسانية من أن تُقيّم ذاتها من خلال عيون الآخرين، أو تربط شعورها بالقيمة، بكلمة قيلت فيها، مديحًا كان أو ذمًا.
فكلام الناس لا يمكنه أن يبني ثقتك بنفسك حقًا، ولا أن يسقطك إذا كنتَ ثابتًا في داخلك، فإنّ الثقة بالنفس ليست شيئًا يُمنَح من الخارج، بل شأنًا يصاغ في العمق، في داخل النفس، في المكان الذي لا تبلغهُ ألسِنة الناس، ولاتنالُهُ أهواءهم، ويتبلور من خلال معرفة الإنسان لقيمته، وصدق نيّته، وسلامة سلوكه، وابتغاء رضا ربّه في مسيرة حياته.
فمن المؤسف أن يظن الكثير، بأنّ كثرة الإطراء، وكلمات الإعجاب، هي المعيار الذي سيرفعه عاليًا، وأنّ نظرات الاستهجان قد تسقطه أرضًا.
فإنّ معرفة النفس، هي القيمة التي لا تُقاس بالأصوات، ولا بعدد من يصفّق أو يذمّ، ولا بأعداد من انضم إلى تيارك، أو وافقَ قناعاتك، أو انضم الى قناتك والتحقَ بموكبك!.
الكلمة لا تصنعك إن لم يكن في داخلك ما يؤهّلك للصعود، ولا تكسر ظهرك إن لم يكن فيك هشاشة تنتظر الانهيار.
ترى: كيف يطمئنّ قلبٌ إلى مديح أناسٍ لا يدركون نواياه، ولا يطّلعون على جهاده الخفي، ولا يعرفون تاريخه المليء بالتحوّلات، لكي يوكِل تقييم نفسه إليهم! فهل يَصحّ أن يُسقِطَ ذمّ الناس نفسًا مملوءة بالرضا واليقين، والوجل من الله؟!.
لذا علينا أن ندرك، إنّ من يُعلّق قلبه بكلام الناس، يعِش متقلّبًا، إن مدحوه انتشى، وإن انتقدوه انكسَر، وإن سكتوا عنه، ظنّ أنه لا يُرى في الملأ، ليتّضح أنّ مثل هذه النفس تهتزّ بسهولة، وتخسر راحتها كلما تغيّر مزاج الآخرين.
أما النفس الواثقة، هي مَن تأخذ الدرس والعِظة من مصادر السماء كي تعيش السكينة والرضا، وليس ثمّة ما يبعث في النفس النور، ويبني صرح الثقة والقناعة سوى نهج آل محمد “عليهم السلام” وتوصياتهم.
فها هو الامام الكاظم “عليه السلام” يعرّج على ظاهرة اجتماعية، لعلها في كل عصر تتجلى، الا وهي الثقة الزائفة، حيث أكد في إحدى وصاياه لـ”هشام بن الحكم” قائلا: ”
(يَا هِشَامُ لَوْ كَانَ فِي يَدِكَ جَوْزَةٌ وَ قَالَ النَّاسُ فِي يَدِكَ لُؤْلُؤَةٌ مَا كَانَ يَنْفَعُكَ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا جَوْزَةٌ وَ لَوْ كَانَ فِي يَدِكَ لُؤْلُؤَةٌ وَ قَالَ النَّاسُ إِنَّهَا جَوْزَةٌ مَا ضَرَّكَ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا لُؤْلُؤَةٌ)
ويمكن القول، أنّ الامام الكاظم “عليه السلام” يؤكد على أنّ كلام النّاس لا يمكن أن يرفع ثقتك بنفسك، أو يسقطك عند نفسك، بل يدعوك الى معرفة نفسك، وحجم فكرك وطاقتك، بالإضافة الى معرفة أهدافك ونواياك، وما هي امتداداتها، وتوجهاتك وما عمقها.!
فإذا جمعتَ ذلك كلّه، ورأيت أنّك لا تملك انطلاقةً حقيقية، ولا حجمًا كبيرًا في الخبرة، ولا سموّا في الأهداف، ولا خلوصًا للحق، وجاء النّاس فكبّروك وضخّموا شخصيّتك ومدحوك، وأيدوك لا على بصيرة، وأنت تعرف نفسك جيدًا، هنا.. فاحذر أن يرفعوك إلى فوق، وأنت تعرف أنّ موقعك في الأسفل، لأنهم إذا حملوك إلى فوق وتركوك، فسوف يكون سقوطك فظيعًا مريعا!!
فلا تجعل كلام الناس يصنعك، فالكثرة لاتورث مجدًا، والقلة لا تهدم جاهًا.
كن صادقًا في مسيرتك، مخلصًا في توجهاتك، واضحًا في تطبيق منهجك، فإن كان الناس لا يرون كل ذلك فيك، فحسبك أنّ اللهَ يرى، ويعلَم مَن تكون.

١٨- محرم الحرام-١٤٤٧هــ
١٤- تموز- ٢٠٢٥م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى