إيران، المقاومة وسقوط كذبة “السلاح النووي”: رؤية قرآنية واستراتيجية لمعادلة الأمن والعدوان..!
بقلم _ مجتبى نيكيان شفتي
أعلن قائد الثورة الإسلامية في إيران، الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله)، مرارًا وبكل وضوح أنّ الجمهورية الإسلامية لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، ولا ترى فيه مصدرًا للأمن أو رمزًا للقوة السياسية. بل على العكس، يعتبر هذا السلاح في رؤية إيران تهديدًا مزدوجًا: تهديدًا أخلاقيًا للضمير الإنساني، وتهديدًا عمليًا لاستقرار النظام الدولي.
لقد أثبت التاريخ الحديث، لا سيما في تسعينيات القرن الماضي، أن الدول التي راهنت على الأسلحة النووية كأداة للهيمنة، لم تنجح في تحقيق استقرار داخلي أو مكانة دولية مستدامة. بالعكس، أصبحت عبئًا على شعوبها وسببًا دائمًا في النزاعات الجيوسياسية.
من هذا المنطلق، ترفع إيران شعارًا واضحًا: شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي، وهي لا تكتفي بالتصريحات، بل تلتزم سياسيًا وتقنيًا بهذا المبدأ. لكنّ الكيان الصهيوني، الذي يمتلك ما لا يقل عن 90 رأسًا نوويًا، ويُعدّ من أكثر الأنظمة تسليحًا على مستوى العالم، هو مصدر التهديد الحقيقي لأمن المنطقة والعالم.
هذا الكيان لم يكتفِ بامتلاك القنابل، بل أضاف إلى ذلك الأيديولوجيا العدوانية القائمة على فكرة “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، وهي فكرة تستند إلى خرافات دينية منحرفة، وتُشرعن الاحتلال، والتطهير العرقي، وقتل المدنيين تحت غطاء ديني مزيف.
الجمهورية الإسلامية، رغم كل الاتهامات، لم تُبادر يومًا بعدوان، ولا سعت لإبادة أحد. بل أوضح القائد الأعلى مرارًا أنّ حل قضية فلسطين ليس عسكريًا بل ديمقراطيًا، عادلًا، وواقعيًا: الشعب الفلسطيني، من المسلمين والمسيحيين واليهود الأصليين، هم أصحاب الأرض، وهم وحدهم من يملكون حق تقرير المصير، من خلال استفتاء شامل وتشكيل حكومة موحدة، بعيدًا عن المحتلين والمرتزقة والمستوطنين.
أما الذين يروّجون أنّ إيران تدعو إلى “إبادة اليهود”، فعليهم فقط أن ينظروا إلى الداخل الإيراني، حيث تعيش الجالية اليهودية بأمان، وتُمارس طقوسها بحرية، ولها كنيسها وممثلوها في البرلمان، في ظل دولة إسلامية شعارها: لا إكراه في الدين.
لكن، في المقابل، ما الذي فعله الكيان الصهيوني خلال الحرب الأخيرة ضد إيران؟
خلال 12 يومًا من العدوان الصهيوني الغادر، وبينما كانت إيران تجري مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، شنّ هذا الكيان هجومًا مفاجئًا، ضرب المدنيين، وارتكب جرائم مروّعة.
بحسب رئيس مؤسسة الشهيد الإيرانية، فإنّ عدد الشهداء تجاوز 1062 شهيدًا، من بينهم 126 امرأة، و47 طفلًا، واثنتان من النساء الحوامل، و4 أطفال استُشهدوا على صدور أمهاتهم. هناك أكثر من 5800 جريح، منهم 34 في العناية المركزة، ولا تزال جثث 24 شهيدًا مجهولة الهوية في معراج الشهداء.
وصل الأمر بالعدوان إلى قصف السجون في وقت الزيارة العائلية، وقصف مبنى يُعقد فيه اجتماع للمجلس الأعلى للأمن القومي، في محاولة مكشوفة لاغتيال رؤساء السلطات الثلاث، وخلق فراغ سياسي في البلاد.
أليست هذه جرائم حرب مكتملة الأركان؟ أليس هذا هو الإرهاب الحقيقي؟ ومع ذلك، لم ترد إيران بردّ شامل، بل اكتفت بضربات ردعية دقيقة، واستعادت زمام المبادرة من دون الانجرار إلى حرب مفتوحة، لتؤكّد للعالم أنّها لا تسعى إلى الحرب، لكنها لا تتراجع أبدًا إذا فرضت عليها المواجهة.
والأهم من ذلك: رغم علمها بانهيار منظومات الدفاع الجوي الصهيونية، وتراجع قدرة الردع الصهيوني، أعلنت طهران بوضوح: “نحن لم نبدأ الحرب، وإذا توقف العدو عن القصف، فنحن أيضًا نوقف الرد”.
هذه ليست ضعفًا، بل قمّة الحكمة الاستراتيجية، ورسالة أخلاقية واضحة للعالم بأسره، وعلى رأسه الولايات المتحدة.
لكن، هل يمكن الوثوق بأنّ الكيان وأسياده في واشنطن لن يعاودوا العدوان؟ إيران تُدرك جيّدًا أنّ المعركة لم تنتهِ، وأنّ احتمال تكرار الاعتداء قائم. وهي مستعدة، بكل وعي وثبات، لردّ قاسٍ إن فُرضت عليها المواجهة مرّة أخرى.
أما في ما يخص البرنامج النووي الإيراني، فهو سلمي بالكامل. الهدف منه إنتاج الطاقة، تطوير الطب النووي، وتعزيز القدرات التكنولوجية، وهذا حق مشروع ضمن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT). إيران لم تقل يومًا أنها تسعى إلى سلاح نووي، بل طالبت الدول التي تملك مثل هذا السلاح، خصوصًا الولايات المتحدة و”إسرائيل”، أن تتخلّى عنه.
فالتهديد الحقيقي ليس في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، بل في آلاف الرؤوس النووية المخزّنة في القواعد الأمريكية، أو في المفاعلات النووية السرية لدى تل أبيب. هؤلاء هم من يُهددون البشرية، وليس إيران.