السويداء بوابة التفجير الصهيوني لإعادة رسم خريطة المنطقة
كنوز ميديا _ متابعة
تشهد محافظة السويداء، جنوب سوريا، تطورات متسارعة وخطيرة تنذر بتحولها إلى شرارة أزمة إقليمية قد تمتد إلى ما هو أبعد من الحدود السورية.
المحافظة ذات الغالبية الدرزية التي ظلت في أغلب فترات الحرب السورية بمنأى عن الصراع العسكري المباشر، باتت اليوم مركزًا لاشتباكات معقدة تتداخل فيها الأبعاد الطائفية والسياسية والجيوسياسية.
بدأت الأزمة باشتباكات محلية مسلحة بين بعض الفصائل الدرزية ومجموعات عشائرية، في نزاع ظاهره محلي، لكن سرعان ما تصاعد الموقف بعد تدخل حكومة الشرع الانتقالية بحجة إعادة الأمن إلى المنطقة. غير أن قواتها، بحسب تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان (10 يوليو 2025)، استهدفت بلدات درزية بعنف مفرط، مما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين، ودفع مسلحين دروز إلى الرد على هذه القوات وطردها من عدة مواقع.
ومع تفاقم الأزمة، دخلت مليشيات مدعومة من فصائل إدلب لتعزيز الهجوم على السويداء، مما فاقم التوترات ووسّع رقعة الاشتباكات.
وسط هذا التصعيد، جاء الموقف المفاجئ من الكيان الصهيوني، حيث أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن “الكيان سيتدخل عسكريًا لحماية الدروز”، وطالب النظام السوري بسحب قواته فورًا من السويداء، في تصريح نقلته القناة 12 الإسرائيلية.
وفي تصريحات لاحقة، أكد كاتس أن “التحذيرات انتهت، وقد بدأت مرحلة الضربات”، ليتبع ذلك قصف جوي إسرائيلي مكثف على مواقع في السويداء، ثم توسّع القصف ليشمل العاصمة دمشق نفسها، مستهدفًا مباني حكومية حساسة، من بينها قصر الشعب، وقصر تشرين الرئاسي، ومبنى هيئة الأركان العامة، مما شكّل تطورًا غير مسبوق في المواجهة بين إسرائيل والنظام السوري.
وقد وثق المرصد السوري مقتل نحو 250 شخصًا في السويداء خلال أيام قليلة، بينهم 21 مدنيًا تم إعدامهم ميدانيًا على يد القوات الحكومية، في واحدة من أسوأ المجازر منذ سنوات.
وفي رد فعل لافت، أصدرت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية بيانًا دعت فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي، والعاهل الأردني، إلى “التدخل العاجل لإنقاذ السويداء”، معتبرة أن “أهلنا يُبادون بدم بارد، والنظام الحاكم فقد شرعيته نهائيًا”.
ترافق ذلك مع تحركات لافتة على الأرض، حيث رصدت القنوات الفضائية تدفق أرتال من دروز هضبة الجولان المحتلة – تحت حماية قوات الاحتلال – نحو السويداء لـ”مساندة إخوتهم”، في مشهد يعكس دعمًا صريحًا ومباشرًا من الكيان لفصيل مذهبي داخل سوريا، في خطوة تكرّس نهج “حماية الأقليات” الذي تتبناه إسرائيل لتبرير تدخلاتها في دول الجوار.
من جهته، دان المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم براك، العنف ضد المدنيين، دون إدانة مباشرة لدمشق، وهو ما يعكس تواطؤًا ضمنيًا في إدارة التوازنات الجديدة للمنطقة، وفقًا لتحليل نشرته فورين بوليسي (14 يوليو 2025).
وقد أثارت الغارات الصهيونية على دمشق موجة إدانات من دول الإقليم، لكن المراقبين يلاحظون أن هذا التصعيد لم يكن وليد الصدفة، بل يمثل جزءًا من استراتيجية أوسع يعمل عليها الكيان الصهيوني منذ سنوات.
ويمكن تلخيص أبرز أهدافها في ثلاثة محاور واضحة:
1. استخدام “حماية الأقليات” كذريعة للتدخل والتوسع، فمنذ سنوات، يسوّق الكيان نفسه كـ”حامٍ للأقليات” في الشرق الأوسط.
2. النموذج الحالي في السويداء يعيد التذكير بتجارب سابقة، حيث تتدخّل إسرائيل بذريعة الحماية لتأسيس نفوذ سياسي أو أمني.
وقد حذّر تقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (2023) من أن هذا “النهج التوسعي الأخلاقي” قد يتحول إلى أداة لإعادة ترسيم خرائط النفوذ في المنطقة.
2. تحويل سوريا إلى فيدراليات طائفية متناحرة ضمن العقيدة الأمنية الصهيونية الممتدة من نظرية بن غوريون وحتى مشاريع “الشرق الأوسط الجديد”، وتمثل سوريا إحدى الحلقات الأساس.
ويتزايد الحديث في الدوائر الإسرائيلية عن حل “فيدرالي” أو “تقسيمي” للأزمة السورية على أسس طائفية وعرقية، لتأمين حدود آمنة لإسرائيل وإضعاف الدول المجاورة.
وقد نشرت صحيفة جيروزاليم بوست تحليلاً (يوليو 2025) يؤكد أن “تقسيم سوريا لم يعد احتمالاً، بل خيارًا استراتيجيًا قيد التنفيذ”.
3. التمهيد لمشروع “ممر داود” نحو شمال العراق، والهدف الأخطر يتمثل في إنشاء ممر بري يمتد من الجولان عبر درعا والسويداء إلى دير الزور ثم إلى شمال العراق، لتأسيس موطئ قدم إسرائيلي في المناطق الكردية القريبة من الحدود التركية والإيرانية.
هذا المشروع، المعروف باسم “ممر داود”، تم التنبيه إليه في دراسات سابقة لـمركز (بيغن-السادات) للدراسات الاستراتيجية، كجزء من الاستراتيجية الصهيونية الكبرى لاحتواء إيران ومحاصرة تركيا، والتغلغل في عمق الإقليم.
مركز بدر للدراسات الاستراتيجية
٢٠٢٥/٧/١٧