غزة تنزف.. والضمير العالمي في غرفة الإنعاش

   بقلم _ قاسم الغراوي
رئيس مركز انكيدو للدراسات

650 يومًا وغزة تُذبح تحت مقصلة الإبادة الجماعية، وسط صمتٍ دوليٍ مُريب، وعجزٍ أخلاقيٍ فاضح، وتواطؤ سياسي مكشوف. في غزة اليوم، لا صوت يعلو فوق صوت الموت، ولا مشهد يطغى على مشهد الدم والركام، فيما الإنسانية التي طالما تبجّح بها الغرب، تُسقط قناعها مرة بعد مرة، أمام هذا النزيف الفلسطيني الذي تحوّل إلى مجزرة معلنة ومفتوحة على الهواء مباشرة.

ما يحدث في غزة ليس حربًا تقليدية بين طرفين متكافئين، بل هو مشروع استئصال ممنهج، تقوده إسرائيل تحت أعين العالم، وبغطاء سياسي من بعض العواصم، وصمتٍ مُذلّ من أخرى. حصارٌ خانق، تجويعٌ متعمد، تعطيشٌ مدروس، قصفٌ لا يميّز بين طفلٍ وشيخٍ وامرأة، وتدميرٌ للبنى التحتية، للمستشفيات، للمدارس، بل لكل مقومات الحياة. إنها نكبة جديدة تُضاف إلى سجلٍ طويلٍ من الجرائم، تُنفذ بتقنيات العصر، لكنها بروح استعمارية غابرة لم تتغير.

أمام هذا التوحش الصهيوني، يقف العالم مدهوشًا، عاجزًا، متواطئًا، يُدير وجهه عن مشاهد المجازر وكأن الدم الفلسطيني أقل قيمة من سواه. أين ضمير الأمم؟ أين شعارات الإنسانية وحقوق الإنسان؟ أين أولئك الذين ملأوا الدنيا صراخًا من أجل القطط في أوكرانيا، لكنهم اليوم يصمتون أمام أشلاء الأطفال في غزة؟

الهيئات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، صارت شاهد زور. بيانات الإدانة لم تعد تطعم جائعًا ولا توقف قذيفة. مجلس الأمن أصبح رهينة للفيتو الأمريكي، الذي يمنح لإسرائيل رخصةً مفتوحة للقتل والتدمير، بلا حساب ولا عقاب.

في المقابل، الشعوب الحرة ترفع صوتها، وتُعبّر عن رفضها، لكنها تُصطدم بجدران الأنظمة والحكومات، التي ما بين التبعية والخضوع، لا تجرؤ على مواجهة آلة القتل الصهيونية أو كبحها. لقد كشف هذا العدوان عن تآكل المنظومة الأخلاقية العالمية، وعن انهيار القيم التي ادّعى الغرب لعقودٍ أنه يحميها ويمثلها.

ما يجري في غزة ليس اختبارًا لصمود أهلها فحسب، بل هو امتحان فاضح لمفهوم العدالة في هذا العالم. صمود غزة هو ما تبقى من شرف الإنسانية، وما تبقى من مقاومة حقيقية في وجه مشروع التصفية، الذي يريد لفلسطين أن تُمحى، ولشعبها أن يتبخر، وللعالم أن يعتاد على ذلك كما اعتاد من قبل على المجازر في صبرا وشاتيلا ودير ياسين.

إن التقاعس عن وقف نزيف غزة، لم يعد مجرد عار أخلاقي، بل صار شراكة فعلية في الجريمة. من يصمت عن الإبادة، شريك فيها. ومن يساوي بين الضحية والجلاد، يبرر استمرارها.
أما غزة، فستظل بصمودها وصبرها عنوانًا للحق، وفضيحة دائمة في وجه هذا العالم الأعمى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى