فلسفةُ “هيهاتَ منّا الذلّة”: الشهادةُ والجهادُ من الطفِّ إلى الطوفان

بمعاييرَ ملحميةٍ للشهيدَين البطلَين الكريمَين: جوهر عبدالحكيم الجنيد (أبو زناد)، ومصطفى محمد عبدالكريم (أبو بدرالدين).

بقلم _ طوفان الجنيد

مقدّمة:
في الذكرى التاسعة للملحمة الكبرى… كربلاء العصر: الصراري – صبر، تلك القرى التي شهدت، في مثل هذا التاريخ (16/7/2016)، واحدةً من أبشع المآسي التي ارتكبها تحالفُ العدوان الأمريكي الصهيو-سعودي الإماراتي ومرتزقتهم المأجورين، ضد أسرةٍ كريمةٍ حرّةٍ أبيّة، تعشقُ الحرية، وتأبى الاستعباد والارتهان، وتنبذ الفكرَ المتطرف والتكفيريّ الوهابي، وتُقدّسُ الفكرَ المحمديّ الوسطيّ الأصيل.
ذلك هو “الذنب” الذي اجترحته هذه الأسرة، ليُشنَّ عليها عدوانٌ همجيّ، وتنزلَ عليها مظلوميةٌ ما تزال مستمرّة حتى اليوم.
لسنا بصددِ سردِ وقائع المعركةِ هنا، بل سنعرض نماذجَ من البطولة والصلابة والكرامة، تمثّلت في الشهيد القائد الحيدري جوهر عبدالحكيم الجنيد (أبو زناد)، والكرّارِ المقدام مصطفى محمد عبدالكريم (أبو بدرالدين).

الشهيدُ القائدُ: جوهر عبدالحكيم عبدالقادر عبدالله الجنيد (أبو زناد)
شابٌ عشريني من أسرةٍ علميّةٍ، فكريةٍ، نضالية، ينتمي إلى بيتٍ عريقٍ في العلم والمعرفة والجهاد. جده العلامة الفاضل عبدالقادر عبدالله الجنيد من مؤسّسي النهج الزيديّ في منطقة صبر، ومناراتها. ووالده الأستاذ الحرُّ المناضل عبدالحكيم الجنيد مربٍّ فاضل ومفكّر ثقافيّ، قضى عمره في خدمة التعليم، مديرًا لمدرسة الإنقاذ ومجمّع الشيخ جمال الدين، وله باعٌ طويلٌ في نشر الثقافة القرآنية والإيديولوجيا السياسية الأصيلة.
وُلِدَ الشهيدُ جوهر في يوم الهجرة النبويّة، وتلقى تعليمه على يد والديه، ثم في مجمّع الشيخ جمال الدين. التحق مبكرًا بالمسيرة القرآنية، وتلقى فيها العديد من الدورات الثقافية والتدريبية، وشارك في معظم الجبهات من مأرب إلى صنعاء، ثم الحديدة، قبل أن يستقرّ في مسقط رأسه قائداً لجبهة الصراري.
كان شهيدًا صنع بدمه قوانين النصر، وقهر بثباته أسطورة أمريكا في ملحمةٍ تشبه كربلاء الطفّ، فصار أسطورةً يمنيةً خالدة، وهزَّ عروش الطغيان، ورسم ملحمةً قلّ نظيرُها.
سقط الجسد، لكن الزناد الذي أشعله في قلوب الأحرار صار بركانًا يحرق أعتى الجيوش، وبرهن بفكره أنّ دم الشهيد أقوى من كل آلة حرب.

اللحظاتُ الأخيرة:
في الخامسة والنصف فجرًا، اشتدّ القصف الجويّ والمدفعيّ، وتصاعدت الهجمات البرّية من قِبَل أكثر من ألف مرتزق تدعمهم الطائرات. ومعه فقط أربعة عشر مجاهدًا، يحملون بنادق كلاشنكوف وقذائف RPG، وقف جوهر وأبو بدرالدين مصطفى كصخرةٍ على جبل الكرامة.
استُشهِد مصطفى بعد أن جسّد بطولة العباس، وسُفِكَ دمه كما سُفِكَت دماءُ شهداء كربلاء، ومُثِّل بجسده الطاهر.
عندها، صرخ جوهر في رفاقه:
“الموت تحت أقدامنا أرحمُ من ذلّ الهروب!”
رفض الانسحاب رغم إصابته في الكتف.
“الجرح وسامٌ نحمله بفخر”، قالها وهو يقفز فوق التبة، يطلق قذيفة RPG نحو دبابة قائلاً:
“خذوها من أحمد… اقبلوها!”
تُصيبه القذيفة التالية في صدره…
يسقطُ وهو يهتف: حيّ على النصر.

المشهدُ الأسطوريّ للأب:
من وسط وابل الرصاص وأزيز المدافع وهدير الطائرات، اقتحم والده الميدان ليُسعف ابنه، فحمله على كتفه وركض به تحت النار، لكن الطريق كان طويلاً، والجرح غائرًا… فاضت روح الشهيد إلى ربّه، قائلاً:
“فُزتُ وربِّ الكعبة”، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.
نبوءاتٌ تحققت بعد استشهاده:
“أمريكا قشّة في مهبّ الريح”
→ إسقاط طائرات أمريكية في البحر الأحمر 2023 – 2024م
“سنتحرر صنعاء بأيدٍ يمنية”
→ اقتحام دار الرئاسة 2014م
مقولاته التي تحوّلت إلى دستورٍ لكل حرٍّ مقاوم:
“لا تخافوا أمريكا، جنديُّها يُقتل برصاصةٍ مثل أيّ إنسان!”
ومن فلسفته القتالية:
“نحن أبناء حيدر الكرّار، والحسين قائد الثوار، وزيد الأحرار، وأبو جبريل قائد الأنصار، نقاتل على نهج القرآن، لا على نهج التكفيريين والوهابيين!”
سرُّ الصمود الأسطوريّ للشهيدَين:
حين تُنذر نفسك لله صادقًا، وتتبع نهج أهل البيت بإخلاص، وتوقن أن دربك طريق إلى الجنة، تصبح الطائرات الأمريكية كالذباب، وتصبح القوة الباغية هباءً.
دماء الشهيدين أنبتت جيلاً لا يموت، وجعلت من الصراري رمزًا للبطولة والتضحية، ومن آل الجنيد طليعة المجاهدين المتجددين، يرددون:
“كلُّ نفسٍ بعد جوهر… رخيصة.”
شهاداتٌ من رفقاء السلاح:
كان الشهيدان يوصيان الأهلَ والأصدقاء:
“الموتُ بكرامة، خيرٌ من حياةٍ بمذلّة.”
وقال الشهيد جوهر يومًا:
“إذا متُّ، فاقرؤوا على قبري سورة الفتح.”
والدته تقول:
“رأيتُه في المنام يقول لي: لا تحزني… أنا هنا قائدٌ لألف شهيد.”
الخاتمة: لماذا صارت شهادتُهما رمزًا يتجاوز اليمن؟

لأنهما أثبتا بدمائهما حقائق خالدة:
1_ إنّ النصر مع الصبر.
2- وإنّ الحق وأهله دائمًا في ثباتٍ وازدهار، والشرّ وأهله إلى زوال.

3- لا يوجد مستحيلٌ حين يُقدّم الفتى روحه ثمنًا للكرامة.

4- دماء الشهداء تُشعل ثوراتٍ لا تنطفئ.
5_ الشهيد لا يموت… بل يصير فكرةً تُحرّك جيوشًا من الأحرار.

لقد كتب الشهيد جوهر أبو زناد ورفاقه من الشهداء ملحمةً أسطورية، حوّلوا فيها معركةً غير متكافئة إلى أسطورةٍ تُدرّس في كليات الحرب، وصنعوا التاريخ بدمائهم، وجعلوا من كل قطرةٍ طاهرةٍ بذرةً تنبت جيلاً لا يموت.
سلامُ الله ورحمته وبركاتُه
على شهدائنا العظماء من آل الجنيد، وكل الشهداء الأحرار في جبهات العزّة والشرف، وعلى رأسهم شهداء غزة، وقادتنا الشهداء الخالدون.
وسلامٌ خاصٌّ على قائد معركة الفتح الموعود والجهاد المقدّس، سيدي ومولاي، علمُ الهدى، السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (حفظه الله)، الذي ما فَتِئَ يُذكّر الأمّة أن القدس والأقصى… قضيتنا الأساسية.
إنّ اليمنَ هو حصنُ العروة الوثقى، وأبطالُه رجالٌ لا يخافون الموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى